هـبْ أنّهـا قـمّة
وسام سعادة
هبْ أنّ القمّة العربية ستعقد في موعدها، وفي المكان المقرّر لالئتام شملها.
وهبْ انّ مستوى التمثيل السياسي في القمّة لن يكون محرجاً للدولة المضيفة.
وهبْ انّ مشاركة لبنان ستجد طريقها الى تسوية ما، ضمناً أو جهراً، بما يحافظ على ماء الوجه عند كل طرف.
وهبْ انّ العلاقات اللبنانية ـ السورية لن تُطرح بشكل متفجّر على طاولة العمل العربي المشترك، وإنما سيوكّل أمرها الى المجلس الأعلى اللبناني ـ السوري، وفقاً لما نصت عليه معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق بين البلدين.
وهبْ انّ الحضور الإيراني سيكون متواضعاً ومدروساً، ومماثلا في الدرجة وفي أسلوب التصرّف والتحرّك للحضور التركي.
وهبْ أن الموضوعات الخلافية بين العرب وايران ستحال إما الى اطار مجلس التعاون الخليجي وإما الى العلاقات الثنائية بين كل دولة عربية معنية وبين ايران، وأن الاستفسارات والهواجس حول المشروع النووي الايراني لن تتسلّل الى القمة، وأن طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى، وهي الجزر الاماراتية المحتلة في مياه الخليج، لن تحدث عاصفة كلامية، وأن الأقلية العربية في ايران وظروف عيشها وما تقاسيه وما يمنع عليها من تعبير عن شخصيتها القومية واللغوية لن يكون موضوعاً يشغل بال الرؤساء والملوك العرب.
وهبْ ان التدخل الإيراني في العراق، والتقاسم الأميركي الايراني لمناطق النفوذ ولمواقع السلطة وللثروات الوطنية التي تعود لهذا البلد، لن يكون هو أيضاً موضوعاً يستأهل الاهتمام أو الانهمام.
وهبْ انّ القمّة العربية ستعتبر ما حدث ويحدث بين فتح وحماس أزمة داخلية لا دخل للعمل العربي المشترك بها، وان اطلاق دعوة للعودة الصريحة الى الاقتداء ببنود اتفاق مكة لن تكون لازمة ولا مطلوبة.
وهبْ قبل كل ذلك، وعطفاً على كل ما تقدّم، أنّ مراعاة الشكليات البروتوكولية ستكون على أكمل وجه، وأنّ أحداً من زعماء العرب لن يتلفّظ بألفاظ استفزازية بحق نظرائه.
هبْ انّ القمّة لن تكون الا كما دعت اليها الدولة المضيفة، قمّة «فلسطين» بامتياز. فماذا لدى الدولة المضيفة، وماذا لدى العمل العربي المشترك، لتقديمه كوصفات علاجية أو اسعافية، في ما عنى الفلسطينيين؟
ثمة خيار من اثنين. فإما أن تعود فتؤكّد القمّة العربية على المبادرة التي أطلقت في قمّة بيروت، وأعيد تحيينها في قمة الرياض، وإما أن تسحب القمّة العربية مبادرة السلام الشامل من التداول.
يعني سحب مبادرة السلام العربية فض جامعة الدول العربية مرة واحدة وأخيرة. أما المناورة بسحب هذه المبادرة فتعني اقدام الدولة المضيفة على اخضاع الدول العربية لمزايدات لفظية.
وربّما جاءت هذه المزايدات اللفظية من وحي الأسلوب الذي يعتمده أحمدي نجاد، فيدعى المشاركون في القمّة لمناقشة مسائل من نوع «المحرقة» النازية بحق اليهود، مع بيان أنها وهم لا حقيقة، بخلاف كل ما يعج في أرشيفات أوروبا، وبخلاف اعتراف الألمان نفسهم بها جيلاً في اثر جيل، أو لمناقشة «بروتوكولات حكماء صهيون»، والتأكيد على أنها مؤامرة يهودية مستمرّة، بخلاف ما ثبت بأنها كانت مؤامرة على اليهود وعلى الشيوعيين في روسيا. وقد يدعى المشاركون في القمة الى محاضرات من نوع «أفول نجم المحافظين الجدد بعد انكشاف ثقب في جوارب ولفويتز»، و«ظهور المدمّرات في المتوسط وكيفية الرّد عليها انطلاقاً من قوصايا»، و«انكشاف مؤامرة اليساريين السابقين المرتزقة المتعصبين»، و«خطر الدعوة الفينيقية على الأمة العربية».
بعد ذلك، يمكن أن ينتشي المشاركون بأن القمة تجاوزت مجرد الاستنكار والادانة الى ما هو حيوي واستراتيجي ومتناغم مع ارادة الشعوب وطلائعها «الجهادية».
فيا ليتنا نبقى عند بيانات الاستنكار والادانة ولا نتخطاها.
السفير – 17/3/2008