صفحات سورية

ملامح ساخنة تُذكي مخاوف من تصعيد بعد قمة دمشق

null

روزانا بومنصف

تعتبر مصادر ديبلوماسية قول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بعد لقائه المسؤولين السوريين الكبار في دمشق، ان القمة العربية المرتقب انعقادها الاسبوع المقبل قد تشكل فرصة لحل الازمة اللبنانية ودعوته القادة العرب الى عدم تفويت هذه المناسبة او “الحدث الفريد”، يكشفان الى اي مدى تترك الضغوط التي مورست على دمشق ولا تزال من أجل تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية
اثرها في المسؤولين السوريين. كما يكشفان من ان العاصمة السورية يهمها في شكل اساسي ان يحضر القادة العرب في أعلى مستوى وليس الأمر سيان لديها اذا حضر بعض الملوك والرؤساء وتغيب آخرون على ما سرب مسؤولون فيها اكثر من مرة. وان ايلاء لافروف من دمشق القمة هذه الأهمية وتركيزه على مضمون ما يمكن ان تسفر عنه في شأن الموضوع اللبناني حصراً يرسمان صورة مشرقة ونتيجة مهمة يتوق اليها العرب ويمكنهم تحقيقها في القمة بنتيجتين: الاولى، انه من المهم الا يفوت العرب مثل هذا الاحتمال مما أثار علامات استفهام لدى البعض عما اذا كان لافروف حصل على ضمانات فعلية من دمشق في هذا الاطار، وخصوصاً انه قرن موقفه باعلان السعي الى مؤتمر دولي عن الشرق الاوسط يعرف وزير الخارجية الروسي ان واشنطن لن تشجع عليه ما لم تحصل على أمر ايجابي من العاصمة السورية. والثانية انه يشجع العرب على محاولة الحصول على هذه الضمانات عبر الحوار مباشرة في القمة مع المسؤولين السوريين من خلال حضورهم المباشر بدلاً من الضغط على دمشق عبر مستويات الحضور او ما شابه.

والأهمية التي تكتسبها القمة بالنسبة الى العاصمة السورية تجعل كثراً من السياسيين يرسمون علامات استفهام مقلقة حول تصعيد سياسي في لبنان بعد القمة، وبعضهم يعتقد انه قد يكون عنفاً سياسياً. فالمرحلة المنصرمة خلال الشهرين او الأشهر الثلاثة الماضية والتي تميزت بالاستعدادات السورية للقمة، لم تشهد تصعيداً سياسياً داخلياً لموجبات امرار القمة بالحد الأقصى الممكن من التهدئة السياسية في لبنان مع مبادرات عربية في مؤتمر لوزراء الخارجية العرب وتحرك للأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى. لكن سياسيين كثرا يخشون ان يتغير الامر بعد القمة فيفتح المجال واسعا امام تصعيد للمواقف السياسية وقد بدأت الساحة الداخلية تشهد عودة لها. ومن غير المستبعد بالنسبة الى هؤلاء توظيف اي خطوة تقول الاكثرية انها ستقوم بها، مثل ترميم الحكومة، من اجل تبرير التصعيد الذي بدا في الواقع من منطلق ان هذا الاجراء يساوي خرقا للخطوط الحمر التي ارسيت بعد انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود ومغادرته السلطة من دون اتخاذه اي اجراء بحكومة انتقالية او ما شابه على ما كان يجري التهديد به مرارا، واعتبار مسألة ترميم الحكومة خرقا لهذه الخطوط. وقد ارتفعت حتى الان تهديدات من المعارضة تقول بأن هذا الاجراء يعني الذهاب الى مواجهة من اجل منع اي خطوة تخرج لبنان من الجمود والفراغ، وهذه خطوة توازي ايضا منع فتح ابواب مجلس النواب لأي سبب، كما توازي الذهاب الى انتخابات رئاسية من دون السلة المتكاملة التي تقول بها سوريا مع افرقاء المعارضة، مع ما يعنيه كل ذلك من منع الحلول الداخلية في اي شكل ورهن الوضع اللبناني او اي حركة فيه للخارج الاقليمي.

وهناك من يخشى في المرحلة المقبلة، سواء اتخذت اجراءات تكسر الجمود او لا، ترجمة للعنف السياسي في رسائل امنية على ما شهد لبنان خلال الاعوام الثلاثة الماضية، كما ان هناك من يفيد عن تحذيرات وجهت الى سياسيين كثر بضرورة اخذ الحيطة والحذر الى اقصى حد، لأن لا تحريك للوضع الداخلي بالسهولة التي يعتقدها بعضهم باعتبار ان ثمة ملفات عدة تتحكم في الوضع. وهناك من يجزم في ضوء المعطيات المتوافرة لديه، ان ملف المحكمة ستكون له انعكاساته وان ما سيظهر فيه خلال الشهرين المقبلين سيكون حاسما في الافراج عن الانتخابات الرئاسية قبل الخريف المقبل او عدم حصول ذلك، وهذا الامر الذي يسري من جهة اخرى على ملف التخصيب النووي الايراني الذي ينتظر بدوره الاشهر الاخيرة من ولاية الرئيس جورج بوش من اجل ضمان عدم حصول ضربة اميركية لايران كليا باعتبار ان الخريف يشهد الانتخابات الرئاسية الاميركية وانتخاب رئيس جديد وعندئذ قد ترى سوريا فرصة لتأمين حصول الانتخابات الرئاسية في لبنان، وفقا لما ستؤول اليها هذه الانتخابات او لكي لا تدخل في مواجهة مباشرة مع الادارة الاميركية الجديدة حول الموضوع اللبناني اذا تبين ان ثمة استمرارا لسياسة واشنطن في هذا الاطار. وهذا الاستمرار يؤكده المسؤولون الاميركيون راهنا، ولكن ذلك لن يمنع السوريين من الانتظار لرؤية ذلك عمليا، بالاضافة الى تبلور بعض المعطيات الاضافية عن المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

هذه المعطيات جميعها التي يتداولها مطلعون في اجتماعاتهم ولقاءاتهم تأخذ مداها في ضوء الاقتناع بأن المبادرة العربية التي نشأت اصلا في اطار التحضيرات للقمة العربية ربما تنتهي رسميا، على الارجح، بعد انعقاد القمة بعدما انتهت عمليا بفشل جهود الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى.

(النهار) ، السبت 22 آذار 2008

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى