الغارة على سوريا أميركية: المصلحة والرسالة مشتركتان
رون بن يشاي
قرر الرئيس الأميركي خلع القفازات وجعل من لا يوقف الإرهاب يرى أن الولايات المتحدة الأميركية سوف تقوم بذلك بنفسها. لقد أدرك الأميركيون أن دمشق لن تغضب في الواقع، إذا هاجمت الولايات المتحدة بنجاح قاعدة للجهاد العالمي. فبعد كل ما حصل، لطالما فضل السوريون أن يقوم أحد ما بهذا العمل من أجلهم.
ست سنوات والإدارة الأميركية تغلي غضباً حيال تدخّل بشار الأسد في المعمعة العراقية. فسوريا ساعدت صدام حسين قبل الغارة الأميركية في العام 2003 واستمرت بمساعدة متمردين هناك حتى بعد سقوط الديكتاتور العراقي ونظامه. وقد قُتل آلاف الجنود الأميركيين وعشرات آلاف العراقيين في السنوات الأخيرة بأيدي مقاتلي عصابات وإرهابيين، تسللوا بحرية من الأراضي السورية إلى العراق.
السلطات السورية نفسها غضّت النظر، والأسد ادعى أن جيشه غير قادر على تطبيق إغلاق محكم على امتداد مئات الكيلومترات من الحدود الصحراوية بين الدولتين. وعلمت الإدارة الأميركية أن السوريين يكذبون ويتغابون، ولكنها قلّصت الضغط الذي تمارسه على سوريا في المجالين الدبلوماسي والإقتصادي.
وكان الأميركيون قد نشطوا في الأمم المتحدة من أجل استجواب مسؤولين سوريين بتهمة التورط في مقتل رئيس الحكومة اللبنانية، رفيق الحريري. وساعدوا المسيحيين والدروز ومارسوا ضغطاً دولياً إلى أن اضطرت سوريا إلى سحب جنودها من لبنان، ولكن القوات الأميركية لم تتخطَ ولو لمرة واحدة الحدود العراقية إلى داخل سوريا من أجل المس بقواعد تصدير وإرسال المتمردين العراقيين. وذلك، رغم أن وكالات الإستخبارات الأميركية (وليس هي فقط) علمت جيداً مكان تمركزهم وكيفية نشاطهم.
لكن في يوم الأحد قُضي الأمر. فالأميركيون توغلوا للمرة الأولى في حقل زراعي بعمق كيلومتر داخل الأراضي السورية، يُستخدم قاعدة انطلاق وإرسال لرجال الجهاد العالمي الذين كانوا في طريقهم إلى العراق. ووفقاً لكل الإشارات، فإن الغارة حققت أهدافها، حيث قُتل معظم الإرهابيين ومساعديهم أو جُرحوا. وكما هو معروف، فليس هناك خسائر وسط عناصر القوة الأميركية التي عادت إلى قاعدتها في العراق.
ثمة تفسير واحد محتمل التفسير البسيط وهو أن إدارة بوش عملت الأحد لأنها قررت اخيراً تغيير سياسة مكافحة المنظمات الإرهابية والعصابات التي تعمل في أفغانستان والعراق. وكما أن قوات أميركية بدأت اخيراً في مهاجمة قواعد القاعدة داخل المنطقة السيادية لباكستان بغية منع رجال المنظمة من التسلل إلى أفغانستان، فهي تهاجم الآن قواعد القاعدة في الأراضي السيادية السورية بغية منع التسلل إلى العراق. وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد امتنعت سابقاً عن تنفيذ عمليات كهذه، كيلا تورط أصدقاء (الحكومة الباكستانية) وضم أعداء جدد إلى القتال (حكومات إيران وسوريا).
الآن، في نهاية ولايته، قرر الرئيس بوش بمشورة من البنتاغون، إزالة القفازات وجعل الأنظمة المتخاذلة في باكستان وسوريا ترى أنه إذا لم توقف الإرهابيين، فإن الولايات المتحدة سوف تقوم بذلك بنفسها. وثمة اهتمام لدى الرئيس الذي ستنتهي ولايته بعد نحو شهرين، ولدى قيادة البنتاغون الحالية، بأن يُبقوا خلفهم إرثاً يرشد خلف بوش وربما أيضا ستبقي خلفها رائحة الإنتصار.
ثمة تفسير آخر ـ وهو أكثر منطقية وفقاً لجهات موثوقة ـ مرتبط بالمرحلة السوداء التي سادت مؤخرا بين النظام السوري ورجال القاعدة الذين يعملون في العراق ولبنان. وهذا التطور هو ما دفع الأميركيين إلى تقدير (أو ربما معرفة مفصلة) أن دمشق لن تغضب إذا نفذت الولايات المتحدة الأميركية هجوماً ناجحاً على قاعدة للجهاد العالمي. حتى وإن حصل الهجوم على أراضي سوريا السيادية وحتى إذا ارتبك الرئيس الأسد ونظامه قليلاً بسبب ذلك.
على أن خلفية ذلك هي حرية العبور إلى العراق الذي سمحت به سوريا للمتطرفين السنّة الذين انطلقوا لقتال واستهداف الأميركيين. وقد اتبع الأسد هذه السياسة لكي لا ينضم رجال القاعدة إلى “الإخوان المسلمين” السوريين ولكي لا يهددوا معاً بقاء نظامه العلوي الشيعي الحاكم في سوريا.
وفي مقابل هذه الخدمة امتنعت القاعدة حتى الآونة الخيرة عن المس بالنظام العلماني في دمشق، إلى أن سلمت الإستخبارات السورية أكثر من مرة للأميركيين، من أجل إرضائهم ومنع مواجهة عنيفة معهم أكثر مما ينبغي، مطلوباً رفيع المستوى، من القاعدة أو من رجال صدام حسين ممن اتخذوا من بلدها ملاذاً لهم. كما وفرت سوريا للولايات المتحدة معلومات استخبارية قيّمة في عدة مناسبات. وهذا كما يبدو سبب عدم تنفيذ الأميركيين عمليات داخل الأراضي السورية حتى الآن.
وكان الإرتباك قد بدأ منذ أن حاول رجال منظمات الجهاد العالمي السنّة قبل نحو سنتين السيطرة على شمال لبنان، حيث قاتلهم الجيش اللبناني على مدى شهرين في مخيم نهر البارد. وفي المقابل توجه أصدقاء سوريا في لبنان إلى بشار الأسد طلباً لمساعدته. فاستجاب الرئيس السوري، منفذاً عدة حالات توقيف وتصفية بحق رجال الجهاد السنّة، وقبل عدة شهور أيضاً نشر جيشه على الحدود السورية ـ اللبنانية بغية منع تسلسل رجال القاعدة إلى بلاد الأرز.
وكرد فعل انتقامي، بدأت مجموعات الجهاد تنفيذ عمليات في سوريا. حيث تم تنفيذ العملية الأخيرة قبل شهر، عندما انفجرت سيارة مفخخة بالقرب من منشأة الإستخبارات السورية في جوار مطار دمشق الدولي. وقُتل في العملية 17 شخصاً، بينهم مدنيون وكذلك عميد سوري وابنه. وقد أظهر التحقيق في القضية بشكل واضح أن المنفذين كانوا رجال منظمة جهاد عالمي سنيّة جاؤوا من العراق. وهكذا أُغلقت الدائرة.
أما الأميركيون الذين حصلوا على معلومات من السوريين عمّن نفذ العملية، أو الذين كانت لديهم معلومات خاصة من مصادرهم ومصادر أخرى، فقدروا أن السوريين لن يعارضوا حالياً توجيه ضربة مؤلمة ضد رجال الجهاد العالمي العراقيين وتلقينهم درساً من قِبل جهة ما. حتى أن الغارة الأميركية قد تكون نُفذت بتوافق سري مع مسؤولي الإستخبارات السورية. فبعد كل ما حصل، لطالما فضل السوريون ـ كذلك أوصياؤهم الإيرانيون ـ أن يقوم أحد ما بالعمل من أجلهم وحتى أنهم لن يزحزحوا أعينهم نحو السماء ويحتجّون.
(»يديعوت احرونوت« 28 /10/2008)
ترجمة: عباس اسماعيل
“المستقبل”