صفحات سورية

بلطجة أمريكية

أمجد عرار
جاء العدوان الأمريكي الأخير على سوريا شعباً ونظاماً وأرضاً، مفاجأة لكل المراقبين، ليس لأن هذا السلوك مفاجئ أو مستغرب من دولة لم نعتد منها سلوكاً سواه، بل بسبب التوقيت والدوافع المعلنة والظرف الأمريكي الخاص والدولي العام. فما الذي أرادت أمريكا أن تقوله لدمشق من خلال هذا الاستعراض الدموي للعضلات؟
بعد الغارة العدوانية بوقت قصير قالت واشنطن إنها استهدفت مكاناً يختبئ فيه “إرهابيون” وخرجت الحكومة العراقية لتدعم الرواية الأمريكية، قبل أن تتراجع في اليوم التالي. لكن الإدارة الأمريكية مصممة على روايتها المسنودة بدقة المعلومات، من أين المعلومات؟ يجيب الناطق باسم الخارجية الأمريكية شون ماكورماك بالقول “لقد قرأنا الكثير من الأخبار في الصحف خلال الأيام القليلة الماضية عن عمليات تسلل من الأراضي السورية إلى العراق”. إذاً معلومات أمريكا مستقاة من الصحف، علماً بأن تهمة تسهيل تسلل المقاتلين عبر سوريا إلى العراق قديمة، وتعود إلى اللحظات الأولى لاحتلال العراق، وكلنا يتذكّر الحملة الأمريكية الغربية ضد سوريا حتى أثناء غزو العراق بدعوى أنها تزود العراقيين بمناظير للرؤية الليلية، وبعد ذلك تواصلت الحملة  بدعوى تسهيل تسلل مقاتلين عرب إلى الأراضي العراقية. إذاً هذه التهمة قديمة بل منذ مدة لم يعد ينطق بها أحد حتى الإدارة الأمريكية. فما الذي حصل، وما الذي استجد؟
لنتابع تصريح الناطق باسم الخارجية الأمريكية الذي لا يترك مجالاً لأي غموض حول الهدف من العدوان. يقول ماكورماك “إن دمشق قامت بمبادرات إيجابية عندما قررت إقامة علاقات دبلوماسية مع بيروت، وقبلت إجراء مفاوضات مع إسرائيل، ولكن هذا لا يكفي، وإن هناك الكثير من العمل الذي يجب أن تقوم به”. نعتقد أن الرسالة أكثر من واضحة، وهي تحمل دلالات متعددة أو أنها ترمي لضرب عصافير عدة بحجر واحد. من يتابع صراع مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تقوده أمريكا، والممانعة ضده، يجد تعثراً بيناً للمشروع الأول وتسجيل نقاط متتالية لصالح قوى الرفض والممانعة، وسوريا التي رفعت واشنطن لواء عزلها، تمكنت في الآونة الأخيرة من تحقيق اختراقات مهمة وجذرية في جدار هذه العزلة الذي تحطم معظمه ولم يبق منه سوى المقطع الأمريكي.
ففي الملف اللبناني نجحت دمشق في امتصاص الحملة المركبة ومتعددة الخيوط، وباتت تسير على جسر واسع من العلاقات الدولية، بدءاً بمشاركة الرئيس بشار الأسد في القمة المتوسطية في باريس ومن ثم القمة السورية الفرنسية – التركية – القطرية في دمشق، وصولاً إلى إعلان العلاقات الدبلوماسية بين لبنان وسوريا وتكثيف زيارات المسؤولين الدوليين إلى سوريا. وبالمقابل “إسرائيل” دخلت في أزمة داخلية، والولايات المتحدة ذاتها دخلت أضخم أزمة مالية في تاريخها منذ الكساد الكبير، الأمر زاد الضغوط على إدارتها الجمهورية الحالية، وانعكاسات ذلك على المرشح الجمهوري جون ماكين. من هنا لا بد من رسالة تحمل حقد الفاشل على الناجح، وتستثمر العدوان لتحقيق مكاسب آنية واستراتيجية تخدم بمجملها “إسرائيل” التي انضمت إحدى وسائلها الإعلامية للحملة بأسلوب لا يخلو من خبث، حيث نشرت تقريراً تحت عنوان أن الغارة تمت بالتنسيق مع الاستخبارات السورية وربما الرئيس الأسد. لا يستحق هذا الكلام أي تعليق لأن من يثقون بوسائل الإعلام “الإسرائيلية” لا يُذكرون ولا يُؤثرون.
نعتقد أن الدجاجة المذبوحة تزداد شراسة، فليتحمّل العالم هذه البلطجة الأمريكية في خريفها الأخير.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى