الغارة الأميركية على سورية
عمر كوش
لا شك في أن الغارة الأميركية على مزرعة «السكرية» في محافظة البوكمال، التي خلّفت العديد من القتلى والجرحى المدنيين، تشكل عدواناً أميركيا على سوريا، هدفها توجيه رسالة خطيرة لأمن وسيادة الأراضي السورية، وتختبئ وراء حجة ملاحقة المقاتلين العرب والأجانب المتسللين إلى العراق، والتي تُتهم فيها سوريا بتسهيل عبورهم إلى الأراضي العراقية.
وتحمل الغارة مؤشراً إلى ما ينتظر المنطقة خلال الفترة بين انتخاب الرئيس الأميركي الجديد وتسلمه مهماته في 20 كانون الثاني من السنة المقبلة، مع أن الإدارة الأميركية في واشنطن تعرف جيداً أن غارتها على الأراضي السورية لم تخلّف سوى قتل المدنيين العزّل، وبينهم عدد من الأطفال، لكن ذلك لا يتعارض من معياريتها التي تجيز «خطأ» قتل المدنيين، وتجيز كذلك إصابة الأصدقاء والحلفاء بـ «نيران صديقة»، ولها سوابق عديدة في هذا المجال، في أفغانستان والعراق وفي البوسنة والهرسك وسواها.
واللافت في هذه الغارة أنها لم تنطلق من البوارج وحاملات الطائرات الأميركية التي ترابط خارج المياه الإقليمية في الخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط، بل انطلقت من الأراضي العراقية، وربما من دون علم حكومة نوري المالكي. وتأتي في وقت يتزايد فيه الجدل بين مختلف الأطراف السياسية العراقية حول الاتفاقية الأمنية المزمع توقيعها بين الولايات المتحدة الأميركية والسلطات العراقية الحاكمة.
وتؤكد هذه الغارة الأميركية العدوانية على سوريا مخاوف بعض دول الجوار العراقي، وخاصة إيران وسوريا، من أن مسودة الاتفاقية الأمنية، التي تريد الإدارة الأميركية الحصول عليها قبل مغادرتها البيت الأبيض، تتضمن بنوداً تعطي القوات العسكرية الأميركية الحق في جعل العراق منصة ومنطلقاً لشن الهجمات العدوانية على دول الجوار. وتفنّد، بالتالي، ما يؤكده بعض المسؤولين العراقيين من أن الاتفاقية لا تسمح للقوات الأميركية باستخدام الأراضي العراقية لشن أي هجوم على دول الجوار، ولن يفيد في هذا المجال تصريح الناطق باسم حكومة نوري المالكي، الذي أعرب فيه عن أمله في أن لا يؤدي هذا الحادث على الحدود إلى تعكير «صفو» العلاقات بين سوريا والعراق، لأن الإدارة الأميركية ماضية بالرغم من أفول عهدها، في سياستها العدوانية، وتريد من الاتفاقية الأمنية تأبيد وشرعنة وجوها العسكري في العراق، وجعله قاعدة ومنصة لشن هجماتها على من ترغب من دول المنطقة، الأمر الذي يفضي إلى إقحام العراق والعراقيين في حروب إقليمية محتملة.
ولا تخرج الغارة الأميركية عما تعوّدته إدارة الرئيس جورج دبليو بوش من القيام باعتداءات وهجمات على الدول التي تضعها في خانة «العدو»، بل، وطاولت غاراتها العسكرية حتى الدول «الصديقة» والحليفة، وخصوصاً باكستان، إذ إن الاعتداء الأميركي على سوريا ترافق مع مناشدة رئيس الوزراء الباكستاني جميع دول العالم التدخل لدى الإدارة الأميركية كي تكف عن شن غاراتها على مناطق بلاده، التي باتت تتقاذفها الغارات الأميركية المتكررة وهجمات المتشددين والمتطرفين.
وعلى الجانب السوري، تشعر القيادة السياسية أن الاستهداف الأميركي يدخل في سياق سياسة التصعيد، التي تنتهجها الإدارة الأميركية منذ سنوات تجاه سوريا، وأنها لن تمكّن الإدارة الحالية من الحصول على ذرائع إضافية، كي تصعد الأمور أكثر مما هي عليه، لأن هذه الإدارة راحلة قريباً، وربما تحمل الانتخابات الرئاسية القادمة التغيير المطلوب في السياسة الأميركية الطائشة تجاه دول المنطقة، وخصوصاً في حال فوز المرشح الديموقراطي بارك أوباما في الانتخابات الرئاسية.
وليس من الصعب استيعاب هذا العدوان الأميركي على سوريا، خصوصاً أن الإدارة الأميركية الحالية تعرف تماماً أن عليها أن تلملم أوراقها وترحل، لأن نجمها قد أفل، وعهد الغطرسة والانفراد والقطب الواحد قد ولى، والأجدى هو أن تهتم أكثر بالأزمة التي تعصف بالاقتصاد الأميركي والعالمي.
كاتب من سورية