الغارة الأمريكية والموقف السوري ثعالب لاتهرول عبثاً
بدرالدين حسن قربي
بينما النظام السوري في انتظار توضيحات من الأمريكيين مع العراقيين سوف لن تصل عن غارتهم في 26 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري التي استهدفت مزرعةً في منطقة السكرية قرب البوكمال السورية، تضاربت الأنباء عن طلبه تخفيض عديد القوات السورية على الحدود المشتركة وتعليق عمل اللجان الأمنية بين البلدين الجارين ممانعةً على مايبدو وليس جكراً كما يروج البعض تجاه المعتدين فضلاً عن سعيه لإخراج المظاهرات الجماهيرية الغاضبة وتسييرها بالآلاف المؤلفة مندّدةً بالعدوان الأمريكي على الأراضي السورية على طريقتها: بدنا نحكي عالمكشوف أمريكي مابدنا نشوف، وياأمريكا لمي جيوشك الشعب السوري بدو يدوسك. أمّا لماذا الشعب اللي بدو يدوس ويدوّس وما بدّو يشوف، وليس الجيش الذي من مهمامه الدفاع عن البلد بما يضمن للناس استقلالهم وحريتهم، أو أجهزة الأمن التي من مهامها ضمان أمن الناس وأمانهم والتي لاتتوقف عن دوس المواطن وتدويسه وعفسه وتعفيسه وخبصه وتخبيصه ولاتأخذها فيه لومة لائم، فهو السؤال الملفت والمثير.
حديث الغارة الأمريكية الأحد الماضي مع حديث التدويس يوصلنا إلى كلام مهم فيه جديد معنى، قاله الرئيس السوري عن ضرب الطائرات الإسرائلية لموقع نووي مزعوم في شرق سورية، وُصف بأنه منشأة عسكرية غير مستخدمة. ففي مقابلة له في أول أكتوبر 2007 مع هيئة الإذاعة البريطانية BBC قال: إن سوريا تحتفظ بحقها في الرد بأشكال مختلفة، أي أن الجديد في الكليشة المعروفة في الموقف السوري المعتاد هي اختلاف أشكال الرد. وأما عن كلامه الأشد أهمية فقوله: الرد لا يعني صاروخاً ضد صاروخ او قنبلةً ضد قنبلة، وإنما نحن نملك وسائلنا الخاصة للرد سواء سياسياً او بأسلوب آخر، ومن حقنا ان نرد باشكال مختلفة. فإذا أضفنا إلى كلام السيد الرئيس في مقابلته الذي كان قبل أكثر من عام إلى ماقاله نائب وزير الخارجية السوري السيد فيصل المقداد في حديثة التلفزيوني إلى BBC أيضاً منذ يومين بأن سورية لن تتصرف بعدوانية وحماقة كما تصرفت الإدارة الأمريكية في غارتها داخل الأراضي السورية وإننا نتابع خيارات الرد على هذا العدوان الغاشم دبلوماسياً وسياسياً وقانونياً، فإننا نصل إلى محصلة الموقف السوري الرسمي وهو إصرار على الرد الدبلوماسي والسياسي والقانوني، وهو موقف واضح وجلي في إخراج الحل العسكري خارج المعادلة. ومن ثمّ فهو لايختلف في جوهره عن موقف الدول العربية الأخرى المتهمة من النظام السوري بأن مسؤوليها أشباه رجال، كما يمكن أن نفهم بعض السرِّ في تبادل دور الجيش وأجهزة الأمن مع الدور الشعبي الذي رفع شعار التدويس في مقابل الدور الغائب والمغيّب لأهل التهويس.
فتساؤل الكثيرين ممن في قلبهم مرض والعياذ بالله عن السكوت المثير والمريب لقواتنا العسكرية والأمنية وعدم التحرك أو الرد أو حتى إقلاق الراحة والإزعاج لطوافاتٍ دخلت فضربت وقتلت ودمرت وخرجت من دون أحم أو دستور هو تساؤل معادٌ ومكرور مع كل اختراق لأجوائنا وأراضينا، لأن مايرونه من الموقف الرسمي ليس جديداً بل هو مشهور ومعروف، وهم يعلمون أيضاً أن لاأحد يستطيع الوقوف عسكرياً وبشكل مباشر أمام القوة الأمريكية الباطشة يقيناً فضلاً عن أن الموقف الرسمي السوري المتقاطع مع الآخر العربي المأكول والمذموم لايحتمل التأويل بتاتاً وقد أوضحه قبيل عام الرئيس بشار وأكده منذ يومين نائب وزير الخارجية. ومن ثمّ يمكن القول بأن عدم استيعاب مجاميع جماهير الناس البرآء لألاعيب السياسة ودجل السياسيين لما ينبني على تساؤلهم المر والأليم مع التعبئة الإعلامية الصوتية والديماغوجية والتهويشية بما لارصيد له لدى أهل الصفقات فضلاً عن الأوامر والترتيبات الرسمية والأمنية لكل مناسبة، مما أخرج جماهير الشعب عن طورها لتقول كلاماً كبيراً في مظاهراتها الاحتجاجية عن الدوس والتدويس، حتى أن مواطناً نيويوركياً قال لي: طوافاتنا الأربعة دخلت بعملية تعقب ساخن لزعيم أخطر شبكة لتهريب المسلحين والسلاح والمال من سوريا إلى العراق ولعله وريث الزرقاوي مرتبةً وعملاً، والأمور على مايبدو وماقيل عنها وماظهر منها في أكثر من جهة أنها كانت مرتبة مع الجهات المعنية وبعلمها في النظام السوري بحيث لم يتعرض أحد للطوافات ومن فيها رغم أن العملية استغرقت بعض ساعة قبل أن ترجع من حيث جاءت، وإسرائيل دخلت جولانكم بعتادها وعديدها وهي قاعدة فيه لأكثر من أربعين عاماً ومازالت، وأموركم معها لاأهدأ ولاأرتب وليس مثل لبنان، أربعين سنة جيران وأحلى جيران، لاسيارات مهربة ولاتهريب ولا سيارات متفجرة ولاتفجير، ولاحشود عسكرية على الحدود كما مع الشقيقة الصغرى لبنان، ولا استيضاحات ولا توضيحات ولا مظاهرات. والأهم أن لا أحد منكم يسأل عن مبررات عدم دعوة الصحافة والتلفزيون والإعلام المحلي والإقليمي والعالمي للحضور إلى المزرعة ورؤية ماكان بكل شفافية لفضح المعتدين في العالمين وعلى رؤوس الأشهاد، إن لم يكن هنالك خوف من ظهور الفضايح وانكشاف المستور.
قطع الكلام علينا أمريكي آخر خبيث ليقول: خرقَ الطيران الإسرائيلي الأجواء السورية في أكتوبر 2003 وقصفَ موقعاً عسكرياً في عين الصاحب، وفي أحد صباحات يونيو 2006 اخترقت أربع طائرات إسرائيلية مقاتلة الفضاءات فوق قصر الأسد قرب اللاذقية حيث كان الرئيس هنالك، وفي سبتمبر2007 ضربت الطائرات الأسرائيلية قرب ديرالزور موقعاً مزعوماً لمفاعل نووي ودمرته، وفي كل مرة كان الرد السوري للنظام الاحتفاظ بحقه في الرد المناسب زماناً ومكاناً، ولم يحصل أن خرجت حتى مظاهرة ما إلى أن جاءت مظاهرتكم التي تزعم التدويس والتدعيس مقابل عملية الراجح فيها الترتيب والتدبير.
لم يكد الثاني ينتهي من تمام كلامه حتى بدأ الحديث رجل ثالث: هل نسيتم تأييد الرئيس السوري لتركيا في موقفها من ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية وقصفها لهم بالطيران، وقوله خلال زيارته لها: نحن نعتبر ذلك حقاً مشروعاً لتركيا..!!؟ أم هل نسيتم ذهابه خصيصاً إلى روسـيا لتأييدها في دخولها الأراضي الجورجية ودعمها في موقفها مما أغراه، وهمّ بدخول لبنان من شماله بحجة ملاحقة الإرهاب والأصولية لولا أن رأى برهان تصريحات أوروبية وأمريكية تنبيهاً وتحذيراً من أن يهمّ بالشقيقة وإن راوده بعض من فيها عن وطنهم..!!؟ أي أن مافعلته تركيا وروسيا في شهور وتفعله فعلنا بعضأً منه ولكن في بعض ساعة.
قلت لهم: تعقيباتكم ليست بعيدة عن الواقع، وتكاد تطابقه، ولكن يصدق فيها القول: أسمع كلامك يعجبني لأنه زين، وأرى فعالك أتعجّب لأنها شين. يكفي أن مواقفكم الرسمية تبدو وكأنها وراء كل قامع فاسد دعماً، وكل ظالم مفسد تعاوناً وكل مستبد نهّاب غطاءً. أما عن الدوس والعفس والتدويس فهي شعارات لمظاهرات مرخّصة ليس أكثر، وإلا فإن أهل الدوس والتدويس الحقيقيين ممن صرفت عليهم مليارات الدولارات ليوم كريهة حالهم حال مَنْ لم يَسمع ولم يَر، ولم نسمع لهم همساً. وغير ذلك، فإن الناس مازالوا قريبي عهد لمسلسل باب الحارة ويستذكرون فِعال العقيد أبوشهاب وهو يجهز ويعدّ ويرسل العتاد والمال للثوار والمقاومين مع شباب الحارة وقبضاياتها، ومازالوا منسجمين معه ومتفاعلين، ويقولون ياليت لنا مدبراً مثل أبوشهاب له شجاعته ونخوته ومروءته.
قد نسخر ممن يقول كنا نحضّر أنفسنا ونتهيأ لمنازلتهم من الغرب فغدروا وجاؤونا من الشرق، ولكن الجَدّ في وجوب التوقف نظراً وتحليلاً في انتشار الوحدات العسكرية السورية عدداً وعتاداً على الحدود اللبنانية لأنه الأهم من التدويس في الموقف الشعبي أو التهويس في الموقف الرسمي، فالثعالب لاتهرول عبثاً.
خاص – صفحات سورية –