ما تقدّمه إيران إلى سوريا لا يقدّمه الآخرون
سركيس نعوم
علّق المرجع الديني الابرز في التيارات الاسلامية الاصولية الشيعية اللبنانية على ما يقال عن مطالبات اسرائيلية ودولية سوريا بالانفصال عن ايران الاسلامية وتحدث عمّا اذا كان هذا الامر سهلاً على السوريين واذا كانوا يملكون القدرة على تنفيذه، قال:
“في تصوّري، ان حكاية انفصال سوريا عن ايران لا تملك اية واقعية، لأن سوريا استفادت – حتى من الناحية العسكرية والصناعية – من علاقتها بإيران وهي تعرف انها لو انفصلت عن ايران فستفقد اية ورقة يمكن ان تلعب بها، وان اميركا، وحتى اوروبا، ليست مستعدة لتعوّضها ما تحصل عليه من ايران، او تمنحها الموقع المميز الذي يمكن ان يحقق لها الدور الكبير في المنطقة باعتبار ان الكثيرين يقولون ان لسوريا دوراً مميزاً عن الادوار العربية الأخرى لأن لها بعض العناصر التي لا تملكها حتى في العنصر القومي الذي قد يمثّل واجهة وإن لم يمثّل عمقاً كبيراً في هذا المجال. وإننا نعتقد ان اميركا واسرائيل والدول الأخرى لا تفكر في انفصال ايران عن سوريا لانها ترى ان هذا الامر غير واقعي، فهي لا تستطيع ان تعطي سوريا ما تقدمه ايران. نعم هناك قضايا مطلوبة من سوريا تتصل بلبنان من الغرب وبعض العرب ألاّ تتدخل في الشأن اللبناني – كما يقولون – وفي تصوّري ان سوريا لن تتدخل في الشأن اللبناني بالطريقة التي كانت تتدخل فيها. ولكننا نعرف انه في اية دولة مجاورة لدولة اخرى ولاسيما اذا كانت إحداهما دولة كبرى والثانية صغرى فلا يمكن ان تكون العلاقات حيادية مطلقاً في هذا المجال. واما ما يقوله بعض السياسيين عن رفض ان تكون السفارة السورية مركز عنجر وغير ذلك فإننا نعرف ان الدول بعلاقاتها لا بد ان تتحرك على اساس حماية مصالحها. ولهذا فليست المسألة كما كانت في الماضي، مع القول ان سوريا لن تكون بعيدة عن الواقع اللبناني بعد معرفة الجميع ان هناك تداخلاً بين الواقع السوري واللبناني سواء على مستوى الامن بقطع النظر عما يتحدث به البعض عن الحديث السوري عن شمال لبنان بواقعية او بغيرها. لكن هناك واقعاً موجوداً وهو ان تداخلاً امنياً واقتصادياً بين لبنان وسوريا. وعندما تُحدَّد الحدود فسوف يعاني الكثيرون من السوريين واللبنانيين مشكلات كثيرة في المناطق الحدودية حيث ينطلق اقتصادها ووضعها وحتى حياتها اليومية من سوريا بالنسبة الى لبنان ومن لبنان بالنسبة الى سوريا.
المطلوب من سوريا هو ان تخفف ضغطها على العراق وهو أمر من الممكن ان تصل سوريا واميركا الى نتائج بالنسبة اليه ولاسيما ان سوريا بدأت تعاني الارهاب والتطرف الموجود في العراق وذلك من خلال التكفيريين الذين اذا كانوا يعتبرون ان محاربة الشيعة تُعتبر هدفاً مقدّساً فمن الطبيعي في نظرهم ان محاربة العلويين هي قضية اكثر قداسة عندهم”.
لن تتخذ سوريا قراراً بالانفصال عن الجمهورية الاسلامية الايرانية، انا معك في ذلك. لكن في حال اتخذته، وفي السياسة كل شيء ممكن، ما هو الثمن الذي ستدفعه في المقابل وخصوصاً في لبنان بعدما صارت ايران دولة ذات نفوذ كبير فيه بل اكبر من النفوذ السوري واقوى؟ وكيف سيكون لبنان بالنسبة الى سوريا في هذه الحال؟
اجاب المرجع الديني الاصولي الشيعي الابرز:
“علينا ان نعرف شيئاً وهو ان سوريا كدولة تريد ان تحمي نفسها، وان تأخذ موقعاً من مواقع القوة. ولا يمكن ان تستغني عن اي موقع قريب منها بقطع النظر عن طبيعة العلاقات بينها وبينه. ولذلك فإنني لا اتصور ان سوريا – في المستقبل المنظور – يمكن ان تنفصل في علاقاتها مع المقاومة. حتى اننا ونحن نعرف ان الضغوط التي توجه الى سوريا من ناحية المقاومة الفلسطينية لأنها تجمع فصائلها في هذا المقام. وسوريا تعتبر ان هذه الفصائل – وان المقاومة الفلسطينية ان صح التعبير – تمثّل مركز قوة لها، فمن الصعب ان تقوم بضرب المقاومة الفلسطينية. ويمكن من خلال بعض التطورات السياسية الموجودة في المنطقة ان تضغط بعض الضغوط على هذا او ذاك وخصوصاً انها لا تزال تفتح علاقاتها مع السلطة الفلسطينية. أما قضية ان سوريا ترى ان ايران هي اكثر نفوذاً منها فلا اتصور ان المسألة بهذا الحجم، لأن ايران اساساً لا تملك وحدها الساحة اللبنانية بل تملك موقعاً من مواقعها، كما ان سوريا لا تملك كل الساحة اللبنانية. هناك توازن بين الموقع السوري والموقع الايراني، وخصوصاً ان المقاومة تلتقي ايضاً مع سوريا التقاء واقعياً ومع ايران معاً”.
لكن الا يختل التوازن الداخلي في لبنان عندما يلتقي الموقعان السوري والايراني بين الفريق اللبناني الذي يؤيد دمشق وطهران والفريق اللبناني الآخر الذي يعارضهما ويؤيد عواصم اخرى؟
اجاب المرجع الاصولي الابرز: “لا ننسى ان الفريق اللبناني الآخر يملك علاقات عربية تتمثل بالسعودية ومصر والاردن وغيرها. فهناك نوع من انواع الوضع الذي يتبادل كل فريق مع الفريق الآخر في بعض مواقع القوة في هذا المجال. ان وجود هذا الانفتاح للمقاومة على سوريا وايران يقابله انفتاح الافرقاء اللبنانيين على هذه الدولة الغربية والاقليمية او العربية…”.
هذا صحيح، لكن ظهر اخيرا وخصوصاً في الاشهر الستة الاخيرة ان ليس هناك تكافؤ بين الفريقين اللبنانيين المتقابلين او المتصارعين وليس فقط لاسباب داخلية؟
علّق المرجع الابرز: “من حيث السلاح ليس هناك تكافؤ ولكن عندما تحصل علاقات سياسية تفرضها الظروف الموضوعية التي تحيط بالمنطقة والتي تتحرك في الخطوط العربية والدولية فانها تخفف من التأثيرات السلبية لاختلال هذه الموازين في قضية السلاح”.
للخلاف السوري – السعودي اثر كبير على الوضع العربي عموماً وعلى لبنان خصوصاً. هل لهذا الخلاف علاقة بسياسة سوريا في لبنان؟ ام ان له علاقة بوقوف سوريا مع ايران الاسلامية وبخوف السعودية ودول الخليج العربية من الدور الايراني بسبب القوة العسكرية المتنامية لايران؟