الحرب الباردة…. نعمة للنظام …ونقمة على الشعب السوري
غمكين ديريك
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتحول العالم الى احادية القطبية بقيادة الولايات المتحدة الامريكية ، وانشاء نظام عالمي جديد ، تحولت موازين القوى وتغيرت في العالم اجمع وبشكل خاص في منطقة الشرق الاوسط ، والتي اخذت سوريا نصيبها من هذا النظام ( العزلة وفقدان خنادقها والمواقع التي كانت تسمى بجبهة الصمود والتصدي واصاب نظامها الجمود والتهديد بالزوال) وعلى اثر ذلك اضطرت للانسحاب من لبنان والتخلي عن دعم حركات التحرر الوطني والديمقراطي ، والمباشرة باعطاء تنازلات عديدة من اجل الحفاظ على نظامها واطالة عمرها ،ومنها التصديق على التنازل عن لواء اسكندرونة للدولة التركية في اتفاقية اضنة عام 1998 مقابل فتح منفذ اقتصادي وسياسي لها ، في ظروف لم تكن لتحسد عليها وبشكل خاص بعد القرارات الدولية حول المحكمة الدولية واتهام راس النظام كمتهم اساسي في قضية اغتيال السيد رفيق الحريري ، والخطوة الاساسية الاخرى التي اقدمت عليها كانت المفاوضات الغير مباشرة مع اسرائيل عبر الوسيط التركي ، هذه المفاوضات التي كانت نتيجتها معروفة سلفا ، وهي كسب الوقت والمشروعية السياسية للدخول في المعترك السياسي في المنطقة والعالم ،والتودد لامريكا ، وبشكل خاص بعد فضح جميع اوراقها ، ان كانت في لبنان او في غزة او في العراق .
لقد كانت سورية ضمن قائمة الدول المارقة وفق التصنيف الامريكي ، والدول المارقة هي تلك الدول التي لاتراعي المصالح الامريكية ولاتاتمر باوامرها ، ومن نتائج الاستعلاء الامريكي واخفاقاتها وتعثر سياساتها في العديد من مناطق العالم ، اعطت الفرصة لهذه الدول للبحث عن جبهة او اطار او تحالف تستطيع من خلالها المحافظة على نظامها واستمراريته، ومن هذا المنطق انبثق المثلث الشيطاني وفق التوصيف الامريكي والذي اطلق على قوى ثلاث هي سوريا وايران وحزب الله ، ومن اجل ان يستطيع هذا المثلث الوقوف على قدميه ياخذ بالبحث عن راعي او قوى عظمى تحميه وتدعمه ، فحاول مع الصين وروسيا ، وتطوير قواه بالاعتماد على هذه القوى بالاضافة الى كوريا الشمالية .
ومع تكدس السلاح الامريكي والازمة التي مرت بها في الاونة الاخيرة توجهت امريكا الى نشر قواعد صواريخ اعتراضية في عدة دول اوروبية ومنها المتاخمة للحدود الروسية ، بالاضافة الى احتضان حلف الناتو لبعض الدول التي كانت في السابق جزء من الاتحاد السوفيتي ، فعلى الرغم من ان توجهات روسيا الى المشاركة مع الغرب في النظام العالمي الجديد الا انها تريد ان تؤخذ قوتها بعين الاعتبار وان تكون قوة فاعلة وذو ارادة مستقلة ، ومع وصول الناتو الى حدودها ونشر الصواريخ الاعتراضية ، شعرت بان امنها القومي مهدد ، وعليها التحرك لاثبات قوتها كدولة اساسية في المعادلة السياسية في العالم ، الا ان ردها كان يقتصر على المجال الدبلوماسي لتفادي اية مواجه مع الغرب .
ومع نشوب ازمة جورجيا التي كانت مبرمجة وفق مخطط اسرائيلي امريكي، لضرب كبرياء روسيا وجرها الى ماتريده هذه القوى ،واستعمال الاراضي الجورجية لضرب ايران ، جاء الرد الروسي قاسيا جدا ويليق بدولة عظمى (لاصوت يعلو على اصواتهم )وتهيئة الفرصة المناسبة للرد ،والمباشرة باجراء استقلال ابخازيا واوسيتيا الجنوبية ، ولم تصدق سوريا ظهور هكذا فرصة ولم تدخر جهدا للاستفادة من هذه التطورات والتوجه الى موسكو للقاء الرئيس الروسي ميدفيديف ويبارك له خطواته ويعلن مساندته لسياسته ، وان السياسة الروسية الجديدة هي العامل الاساسي والمنتظرلانقاذ سوريا والعالم من شرور امريكا حسب التوصيف السوري الايراني وحزب الله .
فتحت ازمة جورجيا منفذاجديدا لسوريا لفتح اراضيها ومياهها الاقليمية للقواعد الروسية وهي فرصة لامحاء ديونها المترتبة عليها منذ زمن، والتي تقدر بمليارات الدولارات حسب الطلب الروسي ، بالاضافة الى تعزيز قوتها العسكرية عبر نشر صواريخ الاسكندر البالستية القصيرة المدى ، وصواريخ (اس 300 )المماثلة لصواريخ باتريوت الامريكية ، لتكون اداة ضغط على كل من امريكا واسرائيل ، وتغيير التوازن الاستراتيجي الموجود في الشرق الاوسط ، وبالتالي تكون سوريا اللاعب الاساسي في المنطقة بدلا من ان تكون منعزلة وغير مستقرة سياسيا ،او ان تكون تحت ضغط المجتمع الدولي ،لان بامكانها المساومة والتلاعب بالاوراق التي تمتلكها ، هذه الاوراق التي لايستهان بها دوليا واقليميا ، ومن جهة اخرى تستطيع ان توفر لنفسها قسطا من الوقت للدفاع عن نظامها وتثبيت اقدامه عبر سلسلة اجراءات عديدة تطبق بحق الشعب والمواطن السوري ، لانها ستدخل في مرحلة جديدة من المواجهة وتتحول من جديد الى قلعة الصمود والتصدي .
ولكن على النظام السوري معرفة ان روسيا ليست بحاجة الى حرب باردة ، وان سوريا لن تكون قاعدة استراتيجية للروس والتي ستكون في الواقع ضد تركيا واسرائيل او الدول العربية التي ترتبط بصلات سياسية واقتصادية جيدة مع الحكومة الروسية ، وروسيا ليست مستعدة للتنازل عن هذه الدول مقابل سوريا ، التي تعتبر بالنسبة الى روسيا نظام عجوز شارف على النهاية ويحاول في اخر ايامه الاستفادة من كل الاوراق التي تجدها في طريقها قبل الموت ،لذا على النظام في سورية عدم المراهنة كثيرا على هذه التطورات ، وان لايحلم بالنعمة تنهمر عليها من روسيا وامريكا معا ، وعليه ان لايراهن على القبضة الامنية واتباع سياسات القمع والارهاب والترهيب عبر استهداف القيادات في الحركة الكردية ، فبعد اعتقال السيد محمد موسى تم اختطاف السيد مشعل تمو والان تم اعتقال السيد طلال محمد ، وكان الحرب الباردة قد بدات بالفعل واخذت سوريا فيها دورا رئيسيا وراس الحربة ضد اسرائيل وامريكا ، لذا عليها ان تكتم كافة الاصوات في الداخل وتحول الشعب الى قطيع ،ويحق للنظام وحده ان يعبر عن الراي ، وان يفكر و يقرر و يأمر،وعلى الشعب ان يركع خاشعا ومتحمدا على ما يعطيه النظام ا .
يحاول النظام السوري احياء مرحلة الامبراطوريات القديمة في الحكم والتسلط ، وهو يفتقد الاساليب والحجج الصائبة للوصول الى تلك المرحلة ، وهو لايتقن فن السياسة للوصول الى اهدافه ، فكيف يفاوض العدو التاريخي والاستراتيجي ، ولا يحاول حتى الحوار مع الداخل الوطني ومعرفة القضايا الوطنية الداخلية الملحة سياسيا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا ، فهل يحق لك ان تقول كن فيكون ، عن طريق القمع والارهاب والاعتقالات السياسية وقانون الطوارئ والاحكام العرفية
الحوار المتمدن