تركيب اميركا والعالم من جديد في ظل أوباما
باتريك سيل
هتف باراك أوباما يوم الاثنين الماضي قائلاً، «إن أدليتم بصوتكم لصالحي، لن نفوز بالانتخابات فحسب، بل سنغيّر معاً هذا البلد وسنغيّر العالم». انّه الوعد المتوهّج الذي ينبغي عليه الآن أن يفي به.
تكمن مهمته البطولية في تصحيح أخطاء عهد بوش وجرائمه وعكس مسارها. لحسن حظه، سيعطيه فوزه التاريخي دفعاً كبيرا وشرعيةً لا تضاهى. فقد سقط خصومه في الفوضى، إذ أن الحزب الجمهوري على وشك أن ينشق وقد يحتاج إلى سنوات كي يستعيد عافيته.
يتسلّم أوباما زمام السلطة إثر فوز ساحق رأى فيه العالم دلالة على الديموقراطية. ولا يسع أي بلد آخر أن يساويه. ومن خلال وصول رجل أسود إلى البيت الأبيض، اتخذ الأميركيون خطوة عملاقة لبلسمة جرح العنصرية الذي أصاب بلدهم منذ تأسيسه. كما ساهموا في ردم هوة الانقسام العنصري بين الغرب الأبيض المزدهر وسائر البشرية المناضلة، أكانت سوداء أو بنية أو صفراء اللون. بات أوباما بالتالي رمزا ساطعا لعالم متعدد الأعراق في القرن الحادي والعشرين.
إذا أراد الرئيس الجديد أن يعيد صناعة اسم أميركا في الخارج وإعادة بناء سمعتها المدمرة، فيجب أن يقوم بمراجعة جذرية لمبادئ سياسة إدارة بوش الخارجية وممارساتها. هذا يعني رفض الأحادية والعسكرية والحروب الاحترازية و «الحرب العالمية على الإرهاب» التي تميزت بعشوائيتها، وخرق القانون الدولي والمحلي المتعلق بسجن أبو غريب وغوانتانامو والحفر السوداء الأخرى حيث دفنت أميركا الضحايا الأبرياء الذين وقعوا نتيجة انتقامها الوحشي من أحداث 11 أيلول (سبتمبر).
يحظى أوباما بفرصة مميزة لنقل أميركا من حال الحرب إلى السلام. وينتظر العالم بشغف معرفة هوية الوزيرين اللذين سيختارهما لتولي الخارجية والدفاع. وستعطي هذه الخيارات المبكرة، من بين آلاف الخيارات التي ينبغي على إدارته القيام بها في الأسابيع القادمة، فكرة عن السياسات التي ينوي اعتمادها. ويأمل معظم العرب في ألا يجلب إلى مكتبه مجددا أعضاء فريق بيل كلينتون الخاص بالشرق الأوسط الذي خسر سمعته بسبب فشله في المضي قدما بعملية السلام وبسبب الانحياز الكبير لإسرائيل.
يدل فوز أوباما بالنسبة إلى العالم العربي والإسلامي على فشل المحافظين الجدد في أميركا، وهم المهندسون الفاسدون للحرب على العراق. كما أنه يدل على وضع حدّ لرغبة المحافظين الجدد الجغرافية السياسية التي تهدف إلى «إصلاح» العالم العربي بالقوة العسكرية ليصبح مكانا آمنا للولايات المتحدة وإسرائيل.
وبفضل وسائلهم الدعائية المتعددة مثل المجلة الأميركية «ذا ويكلي ستاندارد» وما شابهها، دعم المحافظون الجدد المرشح الجمهوري جون ماكين. كانوا يأملون في أن يعطيهم فوز ماكين فرصة لإنهاء العمل الذي بدأوه مع بوش.
اعتقد هؤلاء المتشددون الموالون لإسرائيل أنه ينبغي إخضاع العالم العربي والإسلامي كي تحافظ إسرائيل على سيطرتها الإقليمية. وبالتالي نتج عن ذلك اجتياح العراق وتدميره والحملة الصاخبة المتعلقة بحرب أميركا على إيران، وإن لم يتم شن حرب عليها فسيتم فرض عقوبات قاسية للإساءة إلى اقتصاد هذا البلد، فضلاً عن عزل سورية واعتبار «حزب الله» وحركة «حماس» الحركتين المقاومتين اللتين تجرأتا على الوقوف في وجه اعتداء إسرائيل واحتلالها، تنظيمين إرهابيين. وقد روّج المحافظون الجدد لذريعة أن أميركا وإسرائيل تواجهان عدوا مشتركا هو «الإرهاب الإسلامي».
وبالنظر إلى خطابات أوباما الذي يملك جذورا من العالم الثالث، يبدو أنه سيعتمد مقاربة مختلفة جدا. لقد تعهد بأن يعلن بأن «أميركا ليست في حرب مع الإسلام». ويبدو أنه مصمم على إعادة بناء علاقات أميركا السيئة مع العالم العربي والإسلامي. ولا شك في أنه سيسعى ليتفادى القيود الاستراتيجية والتشويش العقائدي التي اتسمت بها حرب بوش على الإرهاب. ويتعجب عدد قليل من كون الشعب الإسرائيلي هو الشعب الوحيد في العالم الذي كان يصلي من أجل فوز ماكين.
ما هي الأولويات التي يجب أن يعتمدها أوباما في الشرق الأوسط؟
– يجب أن يفي بوعده بسحب القوات الأميركية من العراق في غضون ستة عشر شهرا.
– عوضا عن إرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان، يجب أن يمارس الضغوط للتوصل إلى وقف مبكر لإطلاق النار، يليه وضع حدّ متفاوض عليه للنزاع مع حركة «طالبان»، عبر إعطائها حصة في الحكومة في حال عملت على قطع علاقاتها بتنظيم «القاعدة». وفي هذا الوقت، يجب أن يتوقف إطلاق الصواريخ الأميركية عبر الحدود باتجاه باكستان بما أنها لا تساهم سوى في الإخلال باستقرار هذا البلد وفي تغذية مشاعر الغضب ضد الولايات المتحدة.
– يجب أن يهتم أوباما بحل النزاع العربي – الإسرائيلي بإلحاح أكثر وجدية أكبر من أي رئيس أميركي سابق. هذا يعني التوصل إلى حل الدولتين للمشكلة الإسرائيلية الفلسطينية، لكن يجب أن يساهم أيضا في التوصل إلى سلام شامل يضم سورية ولبنان والدول العربية الإثنين والعشرين على أساس الخطة العربية للسلام التي أُطلقت في العام 2002 أو خطة مشابهة لها.
بوسع القوة الأميركية وحدها أن تكسر دورة العنف في الشرق الأوسط. ويعلم أوباما أن أي انحراف عن المسار الموالي لإسرائيل سيولد معارضة كبيرة. قد يخرج المحافظون الجدد من السلطة لكنهم لن يستسلموا. وتكمن مهمة أوباما في إقناع الإسرائيليين بأنه حان الوقت لإحلال السلام حتى لو تطلب ذلك إعادة الأراضي التي تم احتلالها في العام 1967.
ومع إيران، يجب أن يسعى أوباما إلى التوصل إلى مصالحة طويلة وإلى طمأنة إسرائيل بأنه لن تتم التضحية بمصالحها الأمنية. لكن تحتاج إيران بالمقابل إلى ضمانات بأنه لن تتم مهاجمتها. وعندها ستوافق على إخضاع برنامجها النووي لمراقبة دولية فاعلة. وقد تكمن الخطوة المهمة نحو تحقيق الاستقرار الإقليمي، في إدخال إيران في منطقة الخليج من خلال حلف أمني يبرم بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي.
وعلى المدى الأطول، يجب أن يفكر أوباما في إمكانية سحب القوات الأميركية من الخليج وفي إعادة أميركا إلى دورها «الحيادي» التقليدي. فهي تستطيع أن تحمي أصدقاءها من دون أن تولد أعداء جدداً لها.
لا يمكن أن تحلّ الولايات المتحدة بمفردها مشاكل العالم كله. فهي لم تعد القوة العظمى التي لا يمكن لأحد تحدّيها، بل قطب واحد وربما الأهم في عالم متعدد الأقطاب يضم الصين والاتحاد الأوروبي وروسيا والهند والبرازيل وأفريقيا الجنوبية وحتى العرب (في حال كانوا قادرين على العمل معا).
ويبدو أن أوباما يعي أن مقاربة متعددة الأطراف ستكون ضرورية. فيجب أن يبادر إلى إنشاء بنية سياسية عالمية، تُعطى فيها القوى البارزة صوتا مساويا.
وترغب منطقة الشرق الأوسط في أن يتم إيلاء مشاكلها أولوية، لكن ثمة مطالب أخرى قد تواجه أوباما. فيجب أن يتعامل مع الأزمة المالية العالمية التي تتطلب إنشاء بنية مالية دولية، ويجب أن يضخ استثمارات هائلة في البنى التحتية الأميركية المتصدعة لسكك الحديد والسدود والمدارس والخدمات الصحية. يجب أن يعرف كيفية التعامل مع خطر تغيّر المناخ والتخصيب النووي ومع أزمة الغذاء والفقر العام ومع مسألة البحث عن الطاقة المتجددة ومع الفضيحة الإنسانية لملايين اللاجئين والأشخاص النازحين.
هل سينجح أوباما في أن يتقدم على أيّ من هذه الجبهات؟ بالنظر إلى حملته، ستكون مقاربته براغماتية ومعتدلة وتوافقية. لقد وعد بأن يدخل جمهوريين إلى إدارته. قد تكون افكاره راديكالية لكنها ليست ثورية.
يجب أن يتذكر كل الأشخاص المتفائلين في الشرق الأوسط الذين يحلمون بأميركا جديدة وصادقة ومسالمة وعادلة وخالية من ضغوط المجموعات التي تملك مصالح خاصة، أن أوباما قد وعد بتحقيق «التغيير الذي نؤمن به». إلا أنه لم يعد بتحقيق عالم خيالي.
* كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الاوسط
الحياة – 07/11/08