لماذا يخشى العرب أوباما؟
سعد محيو
يحق لأمريكا والعالم أن يحتفلا بوصول رجل أسود إلى البيت الأبيض للمرة الأولى في التاريخ. فالحدث جلل بالفعل، وهو سيكون (كما أشرنا سابقاً في هذه الزاوية) أشبه بانتصار ثورة سبارتاكوس في العام 74 قبل الميلاد وتربع هذا العبد على عرش الامبراطورية الرومانية.
لكن، يحق للعرب أيضا أن يشعروا بالقلق وهم في غمرة دهشتهم من وصول ابن حسين أوباما هذا إلى سدة الرئاسة. فالرجل لم يبد طيلة حملته الانتخابية أي تعاطف مع قضاياهم، خاصة في فلسطين، ولم يشر ولو لماماً إلى رغبته في فتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامي يحل فيها الحوار مكان صدام الحضارات.
ما سمعناه من باراك يكاد يتلخص في أمرين:
الأول، ما فعله بعد ترشيح الحزب الديمقراطي له للرئاسة في 4 يونيو/ حزيران ،2008 حين بادر إلى الوقوف أمام منظمة “إيباك”، أخطر اللوبيات الصهيونية في امريكا وأكثرها عنصرية وتطرفاً، ليعلن أن أمن إسرائيل “مقدّس” بالنسبة إليه، وأن القدس هي وقف يهودي “إسرائيلي” صرف وستبقى العاصمة الموحدة ل “إسرائيل”.
وقبل ذلك، كان أوباما ينشر دراسة في دورية “فورين أفيرز”(يوليو/ تموز 2007)، يربط فيها ربطاً محكماً بين سلام الشرق الاوسط وبين الاولوية المطلقة لأمن “إسرائيل”. قال: “نقطة انطلاقنا يجب ان تكون دوماً الالتزام القوي والواضح بأمن “إسرائيل” التي هي حليفنا الأقوى في الشرق الاوسط والديمقراطية الوحيدة فيه. يجب أن نساعد “الإسرائيليين” عبر عزل اعدائهم”.
الأمر الثاني الذي سمعناه هو وعود أوباما بنقل الصراع في المنطقة من ساحة العنف إلى مساحة الحوار. لكن كيف ولأية اهداف؟
لنترك الرئيس الجديد نفسه يجيب.
جاء في برنامجه الانتخابي الذي حمل العنوان “تجديد الزعامة الأمريكية”:
كي نستطيع تجديد الزعامة الأمريكية في العالم، يجب أولاً أن نصل بحرب العراق إلى نهاية مسؤولة ونركز اهتمامنا على الشرق الاوسط الاوسع، عبر سحب كل الفرق العسكرية الامريكية من العراق قبل 31 مارس/ آذار 2009. في الوقت نفسه يجب أن نطلق مبادرة إقليمية ودولية شاملة للمساعدة على وقف الحرب الأهلية في العراق.
رغم أننا لن نستبعد استخدام القوة مع إيران وسوريا، إلا اننا سنركز جهودنا على ممارسة الدبلوماسية المستندة إلى مناحي القوة الأمريكية السياسية والاقتصادية والعسكرية. دبلوماسيتنا يجب أن تستهدف رفع الأكلاف بالنسبة إلى إيران إذا ما واصلت برنامجها النووي، في الوقت نفسه الذي نظهر فيه لها ما يمكن ان تربحه إذا ما غيرت نهجها: تعاون اقتصادي، ضمانات أمنية، وعلاقات دبلوماسية.
كما ان الدبلوماسية المقترنة بالضغط تستطيع أيضا توجيه سوريا بعيداً عن أجندتها الراديكالية نحو مواقف أكثر اعتدالاً. وهذا بدوره سيساعد على استقرار العراق، وعزل إيران، وتحرير لبنان من قبضة دمشق، وتوفير أمن أفضل ل “إسرائيل”.
الشعار الذي يطرحه أوباما هنا هو “الدبلوماسية الصارمة والحازمة” (Tough Diplomacy) والتي يفترض أن تقلب التوجهات الأمريكية تجاه إيران: بدل التهديدات العسكرية والمفاوضات السرية كما كانت إدارة بوش تفعل، ستصبح الامور الآن: مفاوضات علنية وتهديدات سرية.
لكن ماذا يحدث إذا ما فشلت هذه الدبلوماسية في فرض الشروط الأمريكية؟
ستكون عصا الحرب جاهزة للقيام بالمهمة. وإذا ما حدث ذلك (وهو مرجح كثيراً) فسيكون سبارتاكوس العصر قد أثبت أن انتصاره الانتخابي الكبير قد غير التاريخ بالفعل، ولكن نحو الأسوأ!