العالم من حولنا يتغير ونحن نعيش الثبات وننام في سبات!
فلورنس غزلان
يتحقق اليوم حلم “مارتن لوثر كينغ )، الذي قضى من أجل حرية أبناء جلدته وحقوقهم المدنية، فلم يمض على اغتياله سوى بضعة عقود حتى جاء من يجعل من الحلم حقيقة، فهاهو باراك أوباما يحتل بانتصار ساحق سدة الرئاسة للدولة الأعظم ( الولايات المتحدة الأمريكية ) فيكون بذلك الرجل الأسود الأول في تاريخ دولة كانت الأكبر عنصرية في العالم فيتسلم فيها سدة الرئاسة ال 44 ، وبهذا يَثُبت للكون، أن لا مستحيل أمام القانون وأمام الحق وممارسة الديمقراطية،فأن ينتصر باراك أوباما، ــ ربما يقول قائل أن الأمر لا يعنينا وأمريكا ستظل معادية ومنحازة لإسرائيل ! ــ…لكني أسألهم : متى سننحاز لأنفسنا ونغير اللعبة الدولية لصالحنا؟
ما الذي جعل رجلا كأوباما ليس له الخبرة الكبيرة ولا التاريخ الطويل في العمل السياسي وهو ابن السابعة والأربعين، ذو الأصول الكينية الإفريقية، أي المهاجر منذ زمن غير بعيد( جدته لأبيه مازالت حية في قريتها الكينية)!! يصل بجدارة للبيت الأبيض وليدير ليس فقط الولايات المتحدة، بل ليؤثر ويغير بالكثير من المسارات الدولية .
فأن يحوز أوباما على ثقة الحزب الديمقراطي وترشيحه وينتصر على امرأة قوية ولها تاريخها مثل ( هيلاري كلينتون)، ثم يكون الرجل الأسود الأول أيضا في السينا الأمريكية” مجلس الشيوخ”، منذ أربعة أعوام فقط ، في ال 2004 ، ثم يقفز قفزته التاريخية ليصل للرئاسة ويحصل على فوز ندر أن يحصل عليه رجلا أبيضا صاحب تاريخ سياسي طويل وعريق ( 324) صوتا للمجمع الانتخابي!
ربما لهذا أسبابه العديدة لكنا نلخصها في الأهم لبلده ولمنطقتنا، فانتصار أوباما تحقق لأنه :
1 ــ ركز على الأوضاع الداخلية الاقتصادية المنهارة بعد حكم بوش وما آلت إليه حال المواطن الأمريكي خاصة الطبقة الوسطى وذوي الدخل المحدود ــ لهذا ينعته أعداءه من الأغنياء” بالاشتراكي “، الذي سيأخذ أموالهم ويوزعها على الفقراء! ــ وطرحه لبرنامج يخفض من خلاله الضرائب على أصحاب الدخول الأقل من 250 ألف دولار في السنة ويرفعها على من هم أعلى من هذا السقف.
2 ــ موقفه الاجتماعي من المرأة وحقوقها ، التي ناضلت طويلا للحصول عليها ، بينما يعارضها ماكين ونائبته المتعصبة ( سارة بيلين ) ، وباعتقادي أن اختيارها كان سببا هاما في خسارة ماكين، فأوباما وقف مع حق المرأة في الإجهاض بينما عادته المرأة سارة بيلين!!.
2 ــ موقفه من الحرب العراقية والأفغانية وسعيه للحوار من أجل الانسحاب وقد أعطى تاريخا تقريبيا حدده بالعام 2010 لانسحاب مئة وخمسين ألف جندي أمريكي من العراق، ووعد أهالي الجنود بعودتهم إلى وطنهم، حين خاطب شعبه قائلا:” الثروة الحقيقة لا تأتي بقوة السلاح وإنما بالحرية والسلام…”
3 ــ اعتماده الحلول السلمية القائمة على الحوار والحوافز الاقتصادية والطرق الدبلوماسية فيما يخص الملف الإيراني النووي ، وهو بذلك يتجنب لغة التهديد والوعيد ، التي اعتدنا عليها في خطابات بوش.
4 ــ أما فيما يخص القضية الفلسطينية، فلا نرى اختلافا كبيرا في المواقف عما سبق، ــ اللهم إلا إذا حدثت تطورات ووقائع قادمة تثبت العكس ــ فلا شك أن كل المتعاقبين على البيت الأبيض من ديمقراطيين وجمهوريين يتخذون موقف الولاء والدعم للقوة الإسرائيلية ويحرصون على أمن إسرائيل ضاربين عرض الحائط بأمن وحياة ومستقبل الشعب الفلسطيني، لكنه أكد حرصه على إقامة السلام بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني ، خاصة بعد انهيار محادثات ” أنابوليس” وما تبعها من محاولات سارت من عثرة إلى أخرى.
5 ــ فيما يتعلق بالموقف من لبنان وسورية، فأعتقد أنه ثابت على حاله وصريح في نفس الوقت، رغم التهليل ــ حتى قبل فوز باراك ــ من قبل النظام السوري ورؤيته في هذا التغيير خطوة لصالحه يمكنها أن تفتح أمامه أبواب دولة العم سام على مصراعيها لتصبح راعية السلام المطلوبة علنا ، ويعود تبادل المصالح والخدمات لعهده القديم ــ مع أنه باعتقادي وحسب تصريحات باراك وسلفه مرتبطا إلى حد كبير بالمحكمة الدولية وتطبيق سوريا للقرارات الأممية فيما يخص لبنان والمنطقة.
يجري هذا، في الوقت الذي يعلن فيه السيد ” بوتفليقة” من الجزائر عن تغيير في مواد الدستور خاصة المادة”74″ ، التي تخوله أن يظل سيداً على رأس الدولة ويمدد لفترة قادمة ، علما أنه تجاوز الواحد والسبعين من عمره!…خالدون خالدون لا يموتون ولا يفنون حتى تفنى شعوبهم!!!
ولِمَ لا؟ وهل حسني مبارك وعبدالله صالح والقذافي أفضل حالا؟ ولم لا يتغير الدستور الجزائري وقد سبق أن فُصِّل الدستور السوري وقُصَت أطرافه وصُقِلت حواشيه ليتحول عمر الرئيس بقدرة قادر من 40 سنة إلى 34 سنة، ولتقفز رتبة الرئيس العسكرية من نقيب إلى فريق…! ” لدينا القدرة الخارقة على حرق وخرق القوانين والمراحل والدرجات وحتى الخبرات بكل أنواعها” ، لهذا فنحن لا نحتاج انتخابات ولا دساتير تغير الزعماء وتأتي برؤساء جدد!…نحن بحاجة فقط لملوك..يحكمونا من المهد إلى اللحد ، بل يرثونا كما لون عيونهم وبشرتهم، ويحولونا من هذه القبضة الحديدية إلى تلك الفولاذية، .ينفتحون على العالم ويريدون أن ينفتح العالم عليهم، لكنهم لا يريدون للعالم أن يرى داخلهم كيف يسير وبأي عجلات وتحت أي قوانين،” هذه أمور سيادية خاصة بهم”!.
لكني أتساءل كيف يريد رؤساء من هذا النموذج أن يدخلوا بعلاقات مع دول تسبقهم حضاريا باحترامها على الأقل للإنسان المواطن، وتفصل بين السلطات، ولا سلطة فوق القانون، والسلطة القضائية خاصة هي سلطة مستقلة؟! ، فكيف يوازن هؤلاء علاقاتهم، وكيف يعتقدون أنهم جزء من هذا العالم؟ في الوقت ، الذي يقصون شعوبهم عن الانتماء لهذا الكون، في الوقت الذي تصبح فيه المحاكم الاستثنائية وقوانين الطواريء هي من يفصل ويقضي، كيف يعتقدون أنهم سيدخلوا في تحالفات مع دول أخرى يسعون جاهدين لاهثين وراء إرضائها، لكنهم يكيلون الجحيم لشعوبهم ؟ ألا يرون وجوه أنظمتهم كم تحمل من القبح والبشاعة؟ وأن وجوها من هذا النوع انقرضت ولم تعد تنتمي لهذا العالم، كيف يهللون للتغيير في أمريكا، بينما يتخدرون فوق كراسيهم ويلتصقون بها أبدياً؟
دعونا نختار…دعونا نقرر…دعونا نعرف طعم الانتخاب…دعونا نتذوق معنى المنافسة…فشعوبنا أيضا لا تختلف عن الشعب الفرنسي أو الأمريكي..نعشق رؤية وجوها جديدة…نعشق التغيير…لا لمجرد التغيير…بل لأنا سئمناكم…لأنا كرهناكم وكرهنا صنائعكم…لأنكم أذقتونا كل صنوف العذاب وآن الأوان كي ترحلوا.
ــ باريس 05/11/2008
خاص – صفحات سورية –