أوباما ذو الألف وجه
حسام عيتاني
دعا الرئيس الاميركي المنتخب باراك أوباما، أثناء حملته الانتخابية، الى إطلاق الحوار مع إيران لكنه حذر بعد أيام من أن الخيار العسكري لم يُسحب عن الطاولة. قبل تبرعات لا تزيد عن خمسة أو عشرة دولارات من مؤيديه لكنه حصل أيضا على عشرات الملايين من كبرى المؤسسات المالية والصناعية. تعهد بإحياء برامج الرعاية الصحية للأميركيين الفقراء غير انه أيد من دون نقاش الصيغة الاولى لخطة إنعاش النظام المالي التي قدمها وزير الخزانة هنري بولسن الى الكونغرس أثناء ذوبان بورصة وول ستريت. وحث على تقليص عدد القوات الأميركية في العراق تمهيدا لإنهاء الاحتلال واقترح بقاء عشرات الآلاف من الجنود لفترة غير محددة.
يمكن المتابعة على هذا المنوال في رصد ما يبدو تناقضات في سلوك الرئيس الديموقراطي الجديد حيث يتبنى مواقف لا تنم عن انتماء صريح الى فئة اجتماعية أو سياسية راسخة المبادئ (مع استثناء، قد يرغب المرء في تسجيله يتعلق بثبات موقفه المؤيد لإسرائيل ومن الصراع العربي الإسرائيلي).
السؤال الداعي الى التأمل لا يتناول هذا التأرجح في المواقف، بل الخلفية الاجتماعية التي يأتي منها أومابا. فإذا كان أصحاب الايديولوجيات اليساروية يرون أن مصيبة الطبقة المتوسطة (أو البرجوازية الصغيرة) تكمن في ترددها بين المواقف وانتقائيتها حيال المبادئ وعدم »حسمها الطبقي«، فإن لهم في باراك أوباما نموذجا حيا على صحة ما يقولون.
لقد جاء الرجل الى البيت الابيض بشعار تمثيل الطبقة المتوسطة متقدماً على منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون التي حاولت استمالة »الياقات الزرق« من الطبقة العاملة الصناعية الكلاسيكية، إضافة، طبعا، الى النساء. وعندما حاول المرشح الجمهوري جون ماكين حشد »جو السباك« الى جانبه، أي ممثل صغار المهنيين المستقلين الذين يرون في مشروع أوباما لإحياء الضرائب التصاعدية على من يزيد دخلهم على المئتين وخمسين ألف دولار سنويا، جاء الرد الديموقراطي من خلال الزيادة الضخمة في أعداد السود والهيسبانيين والشبان الذين سجلوا أسماءهم للمشاركة في الاقتراع للمرة الاولى. أي ان الجمهوريين لم ينجحوا في فصل السمات العرقية والثقافية عن السمات الطبقية للمعركة، استنادا الى رؤيتهم بأن دور الناخب ـ العامل قد تضاءل في العقود الماضية.
كان لدعوة استكمال معركة الحريات المدنية في أميركا وإيصالها الى نهايتها الظافرة بتسليم البيت الابيض الى أحد أحفاد (أو أبناء) المهاجرين الأفارقة صدى غير متوقع في بلد باتت نخبه تشكو من تراجع دور الممارسة الديموقراطية عن حياته السياسية، خصوصا أن الادارة المنتهية ولايتها عمدت الى استخدام كل ما وسعها من حيل قانونية، سواء من خلال التعيينات في المحكمة العليا أو إصدار العشرات من الاوامر التنفيذية التي لا تحتاج الى المرور في الهيئة التشريعية، بهدف فرض رؤية شديدة المحافظة بل رجعية بالكامل على المجالات التي تعني أقطاب إدارة بوش والممتدة من البيئة الى التربية ووصولا الى العلاقات الخارجية.
من نافل القول ان الانتماء الى الطبقة المتوسطة وحده لا يكفي لتفسير التقلبات في مواقف أوباما الانتخابية، وهو سلوك من المرجح أن يرافقه خلال أعوام مكوثه في البيت الابيض، بل ان المسار المعقد لحملة انتخابية وتبوّء منصب شديد الأهمية هما ما يفرضان تلبية رغبات أعداد لا تحصى من أصحاب المصالح والمطامح، هو ما حتّم ذلك التقلب. وهذه سيرة كل المرشحين الى المناصب العليا في الولايات المتحدة الذين لا يريدون أن تنبذهم المؤسسة وان يخسروا، بالتالي، أي حظ لهم في المشاركة في صناعة القرار في الحياة العامة.
تبقى ملاحظة أن التقلبات هذه تجعل من الإصرار على تأييد اسرائيل ـ وان شملته المزايدات الانتخابية المعهودة ـ مسألة في حاجة الى نظر جديد.
تعلم بداهات السياسة أن المواقف ليست أكثر من انعكاس لموازين القوى الواقعية. وسيكون من المدهش فعلا توقع حصول الشعب الفلسطيني أو أي شعب عربي يعتبر انه صاحب قضية محقة، على تأييد مرشح بارز للانتخابات الرئاسية الاميركية. ومما لا يريح العرب ولا يرحبون به عموما، هو ذلك الفصل البارد بين المواقف التي تراعي المصالح السياسية أو الوطنية وبين الآراء الشخصية والاخلاقية عند هذا المرشح أو ذاك الرئيس المنتخب.
ومعلومة هي الحال المزرية التي تعيشها القضية الفلسطينية بفعل الاحتلال، كما بفعل أبنائها. عليه، هل سيكون من الافتئات على الفلسطينيين مطالبتهم بترتيب بيتهم قبل السعي الى بناء علاقة مع الادارة الاميركية الجديدة حتى لا يصدموا بدرجة تأييدها لإسرائيل؟