هل يدشّن فوز أوباما بداية مرحلة جديدة؟
عمر كوش
فاز مرشح الحزب الديموقراطي باراك أوباما بالانتخابات الرئاسية الأميركية، ليصبح الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة الأميركية، محققاً بذلك انتصارا تاريخياً، ومسجلاً سابقة، تمثلت في وصول رجل أسود، لأول مرّة، إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الأميركية، وذلك بعد سباق انتخابي ماراتوني، حظي باهتمام ومتابعة الملايين في البشر، حتى كاد مشهد الانتخابات الأميركية، هذه المرة، يحتكر المتابعة الإعلامية، وبالخصوص في منطقتنا العربية، نظراً لأن نتيجتها ستترك آثاراً على الأوضاع فيها، وعلى ملفاتها الساخنة الكثيرة التي يتوقف مآلها إلى حدّ بعيد، وخلال السنوات القادمة، على طريقة تعامل الرئيس الجديد معها.
ويشكل فوز باراك أوباما بداية مرحلة جديدة في الولايات المتحدة الأميركية وفي العالم، ونهاية مرحلة المحافظين الجدد والزعامة البوشية، التي تميزت بالأصولية الراديكالية والانفراد والغطرسة والواحدية القطبية وعدم الاحتكام إلى الشرائع والأعراف الدولية، وجرّت العالم إلى حروب طاحنة، أزهقت أرواح الملايين من البشر، إضافة إلى الأزمات والانهيارات، التي تُوجت بالأزمة المالية الطاحنة. لذلك، فإن فوز باراك أوباما بالرئاسة الأميركية هو هزيمة للمرحلة البوشية ولنهجها وسياساتها.
وتقف وراء بداية المرحلة الجديدة عوامل عديدة، داخل الولايات المتحدة الأميركية وخارجها، حيث شهد الحزب الديموقراطي، خلال الأعوام السابقة، تحولات مؤثرة على الصعيد التنظيمي، أسهمت في وصول أوباما إلى موقعه المتقدم فيه. واتخذت التغيرات داخل الحزب الديموقراطي أبعاداً واضحة وقوية في معارضة الحرب في العراق، والمطالبة بانسحاب القوات الأميركية منه. إضافة إلى أن أوباما شكل ظاهرة، هدفها التغيير، في الداخل والخارج، وخاطبت الشباب عبر شبكة الانترنيت، ولامست مشكلهم، وتوجهت إلى الأقليات العرقية وطموحاتها وهمومها وقضاياها. وتتجسد الظاهرة في صفات أوباما، المثقف المناهض للحرب في العراق، الذي يمتلك قدراً كافياً من الحضور والفصاحة والقدرة على الإقناع والصياغة المنطقية للأفكار، وفي رفع أوباما شعار »التغيير« الذي ما زال يبحث له عن مضمون، إذ كان يتجسد أحياناً في الانسحاب من العراق الذي تطلبه الحركات والأوساط المعادية للحرب، ثم أخذ بعداً تجسد في الخفض الضريبي وتوسيع برامج الخدمات الاجتماعية، ومع الأزمة المالية العاصفة أخذ التغيير طابعاً اقتصادياً. وستتضح معالم التغيير مع رسم استراتيجية جديدة للولايات المتحدة، على المستويين، الداخلي والخارجي.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال، هو: كيف سيتعامل بارك أوباما وإدارته مع ملفات منطقتنا الملتهبة، إذ ستكون هذه الملفات من أهم القضايا والتحديات التي ستواجه السياسية الخارجية للولايات المتحدة، خاصة كيفية التعامل مع العراق الذي لم توقع حكومته حتى الآن الاتفاق الأمني مع الولايات المتحدة؟
وبخصوص الملف الإيراني أعلن أوباما بأنه مع إجراء حوار مع إيران حول مستقبل العراق، لكن موقفه من البرنامج النووي الإيراني يثير تساؤلات عديدة حول الموقف من إيران فيما لو استمرت في تخصيب اليورانيوم. والأرجح أنه سيلجأ إلى خيار الحوار مع إيران، وفي نفس الوقت سيتعاون مع الاتحاد الأوروبي لصياغة تصورات جديدة للتعامل مع ملفها النووي. أما الموقف من القضية الفلسطينية، فيبدو أنه لن يتغير كثيراً، نظراً لعلاقته باللوبي الصهيوني، وأعلن في أكثر من مناسبة عن التزامه التام بأمن »دولة إسرائيل ويهوديتها«، وعن رفضه حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم.
ويبقى أن موقف أوباما من »الحرب على الإرهاب« يفهم من خلال ما أعلنه عن عزمه التركيز على أفغانستان وباكستان، بوصفهما منبعاً للإرهاب الدولي، لكن ذلك لا يعني عدم الدخول في حوار مع حركة »طالبان«، بغية التوصل إلى صيغة تنهي الحرب المدمرة. والأمل معقود على أن ينهي أوباما سلسلة الحروب الأميركية، وخصوصاً في منطقتنا العربية، ويعوّل الكثير على شجاعته السياسية التي أظهرها خلال الحملة الانتخابية.
([) كاتب سوري
السفير