صفحات الناس

بطاقة معايدة

null
ساطع نور الدين
لا يزال البحث جارياً عن العامل، والنقابة، والفكرة، والحزب. الأزمة الاقتصادية الـــعالمية التي هزت اركان النــظام الرأسمالي، هي فرصة لا تعوض، لكنها مهددة بالضياع، والى الأبد هذه المرة.
في الآونة الاخيرة لاحت بوادر حركة عمالية واعدة في بعض بلدان الغرب الصناعية، تعيد اكتشاف الحد الفاصل بين الحقوق الانسانية والموجبات الاقتصادية،وتستحضر تلك القيم الأخلاقية التي اطلقت مع بدايات القرن الماضي، حول العدالة والمساواة وإلغاء الفوارق الهائلة بين الطبقات وإرساء مجتمعات مستقرة ترعى فقراءها بقدر ما تحمي اغنياءها. وهي القيم التي دفعتها الشيوعية الى مستوى التبشير بالمدينة الفاضلة.
في تلك البلدان لجأ العمال الذين فقدوا وظائفهم من جديد الى نقاباتهم واتحاداتهم المهنية، او انتظموا في مجموعات شكلت على عجل ومن دون تخطيط مسبق، وشرعوا في المطالبة بحقهم البسيط في العمل. لكن بعضهم استعجل الخروج الى الشارع من اجل التعبير عن الغضب، او استقر في المصنع بعدما احتجز صاحبه او مديره مطالباً بفدية لإطلاقه! لم ينتظر نتيجة المفاوضات بين النقابة وبين رب العمل، ولا بينها وبين الحكومة. قرر فقط ان يأخذ حقه بيده وعلى طريقته الانفعالية، التي تنتهي به الى السجن.
عادت النقابات الى الاجتماعات الدورية والى النقاشات الجدية حول اسباب الازمة الاقتصادية وعواقبها الوخيمة، وحول الاموال الخيالية التي ضاعت هباءً او تلك التي تخصص لإنقاذ المصارف ومؤسسات الرهن، والتي لا تحتاج الطبقة العاملة في اي بلد إلا الى ما قيمته واحد في المئة منها لكي تحل جميع مشكلاتها. وعاد صوتها مسموعاً للمرة الاولى منذ ان اعلن الاميركيون نهاية التاريخ عندهم، وعند نظامهم الذي ثبت مؤخراً انه واحد من اكبر انظمة الخداع في العالم.
لكن النقابات سرعان ما انخرطت في اللعبة السياسية والمالية التي تدور في اروقة السلطة اكثر مما اندمجت في هموم العمال وفي بلورة جدول اعمالهم وأولوياتهم، وتخلت عن دورها الماضي وسحرها القديم، وقررت ان تكتفي بانتظار ما ستسفر عنه تلك العملية الإنقاذية الكبرى لبيوت المال والاستثمار وصنع القرار السياسي، او ان تنظم بعض الاحتجاجات العفوية المحدودة، التي لا تقطع السير في الطرقات ولا تقلق راحة الحكومات… وأن تراقب من بعيد ارتفاع معدلات الجريمة الى ارقام قياسية في البلد الذي كان مصدر الأزمة وعنوانها الرئيسي.
كان يمكن، او بالأحرى كان يفترض بالأزمة ان تحيي صورة العامل وأن تبعث مفهوم النقابة وأن تؤسس مرة اخرى لفكرة تقوم على المطالبة بنوع جديد من الشراكة بين الطبقة العاملة، وبين الفئة التي ادارت اقتصاداً عالمياً إسمياً هو اقرب الى النصب على كل من يملك وديعة مصرفية، وتمهد لاستعادة توازن سياسي واجتماعي الى بلدان استفاقت مؤخراً من اوهامها البائسة، لتجد ارقاماً قياسية للبطالة والفقر.
كان يمكن لهذه الفكرة ان تنقذ بلدان العالم الثالث التي يحكمها رجال امن او رجال دين، يبحثون هم ايضا عن عامل او نقابة او حزب… من اجل تحطيمه!
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى