ماذا تعني الغارة الأميركية على سورية؟
رامي الريس
قد يكون من المبكر الحكم على معاني ودلالات الغارة الأميركية على منطقة البوكمال السورية، وهي المنطقة التي على رغم وقوعها جغرافياً على الحدود إلا أنها في النتيجة أرض سورية. وإذا كان مفهوماً (جزئياً) أن تمتنع الدفاعات السورية عن الرد على الطائرات الاسرائيلية التي سبق أن حلقت فوق القصر الرئاسي السوري لأسباب قد تكون تقنية بالدرجة الأولى وسياسية بالدرجة الثانيةن فليس هناك ما يبرر الامتناع السوري عن التصدي لمروحيات أميركية جالت في داخل الأجواء السورية على مدى أربعين دقيقة.
صدرت تقارير اعلامية تفيد عن «تفاهم» سوري مع الأميركيين في هذه الغارة، وهذا ما فسر الرد السوري البارد والذي عاد وتصاعد في الأيام اللاحقة. إلا أن هذه المقاربة تنطوي على اشكاليات ليس أقلها أن النظام السوري لن يقدم هذه المعطيات الايجابية ما لم ينل شيئاً في المقابل، وهو النظام الذي يجيد لعبة الأوراق الاقليمية بدقة.
الأرجح أن الادارة الأميركية على رغم دخولها في أسابيعها الأخيرة (قبل تسلم الرئيس الجديد مهماته في كانون الثاني/ يناير 2009)، أرادت توجيه رسالة واضحة لدمشق بعدم تغير ثوابتها في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما بعد الانفتاح التدريجي فرنسياً وأوروبياً، وأن التسهيلات المحدودة التي أوعز بها النظام الى حلفائه في لبنان وأفضت الى فض الاشتباك العسكري وتسهيل انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية لا تكفي. فالنظام السوري عرقل مسار العمل الأميركي في المنطقة من زاوية رغبته بالتقرب من الادارة الأميركية واهتمامه بأن تتولى مباشرة إدارة المفاوضات التي تقوم بها عبر الوسيط التركي مع اسرائيل والتي تفيد المعلومات بأنها حققت تقدماً مهماً ولكنها تنتظر الاخراج الملائم والأثمان.
والنظام يرفع شعار الممانعة، هو الذي سبق أن اتهم قادة عرباً بأنهم «أنصاف رجال» أثناء حرب تموز (يوليو) 2006 في الوقت الذي كان يتفاوض سراً مع اسرائيل التي كانت تدك المدنيين اللبنانيين والبنى التحتية اللبنانية بقصفها الوحشي. وتحت شعار الممانعة ذاته، لم يحرك النظام ساكناً أثناء التحليق الجوي الاسرائيلي فوق القصر الرئاسي السوري كما سبقت الاشارة، وبعد ضرب ما قيل انه المفاعل النووي في شمال سورية، وبعد عدد من الأحداث الأمنية التي تبقى طبيعتها غامضة بفعل التكتم السوري على معطياتها وتفاصيلها وملابساتها.
الآن، ماذا؟ لعل النظام السوري يراهن على أن التغيرات المرتقبة على مستوى الرئاسة الأميركية ستعيد فتح أبواب البيت الأبيض أمامه، وستسقط كل الملفات الخلافية السابقة التي عكرت علاقة النظام بواشنطن، بدءاً من لبنان مروراً بدعم الارهاب في العراق، وتغذية الانقسام الفلسطيني، فضلاً عن عدم اتمام صفقة سلام مع الحليف الأول للولايات المتحدة في المنطقة أي اسرائيل.
إلا أن الأكيد في تغير الادارات الأميركية المتعاقبة هو ثبات سياساتها حول المفاصل الأساسية في الشرق الأوسط، وتحديداً من خلال العناوين الآتية: الالتزام بأمن اسرائيل وحمايتها مهما كان الثمن (للأسف) ولو على حساب تآكل السمعة الأميركية وتغذية الارهاب ضدها، عدم القبول الأميركي باستمرار التفجيرات التي تطاول قواته في العراق والتي تتهم واشنطن كلاً من سورية وايران بالوقوف وراءها، استمرار الدعم الأميركي للبنان أقله من زاوية عدم السماح بالتدخل السوري مجدداً فيه على طريقة الوصاية السابقة (1975 – 2005).
هذه الملفات التي تقلق واشنطن تضاف اليها ملفات أخرى لا تقل أهمية سواء بالنسبة الى افغانستان التي اعترف رئيسها بفشل تحقيق الأمن في البلاد منذ سقوط حركة طالبان المتشددة في كانون الثاني (يناير) 2001، وباكستان التي تعاني ما تعانيه من اضطراب سياسي وأمني كبير قد يخرج عن السيطرة في أي وقت، ناهيك عن الاشكاليات التي تولدت بفعل الأزمة المالية الكبرى في البورصات الأميركية.
لا شك في أن المرحلة الانتقالية أميركياً بفعل الانتخابات الرئاسية واسرائيلياً في ظل فشل تسيبي ليفني في تشكيل الحكومة الجديدة والدعوة الى انتخابات مبكرة، ومع استمرار المراوحة على مستوى الملف النووي الايراني، وانكباب الجهود الدولية على معالجة ذيول الأزمة المالية، كل هذه المسائل ستبقي الكثير من الملفات قيد الترقب والانتظار وربما… الانفجار.
* كاتب لبناني، رئيس تحرير جريدة «الأنباء» اللبنانية.
“الحياة”