غارة “البوكمال”: خريف سوريا الطويل خشية وخوف
وجدي ضاهر- بيروت
7 ساعات هي فارق الوقت بين واشنطن و دمشق. فحين كانت عقارب ساعة البيت الابيض تتجاوز الثامنة صباحاُ، كان يقابلها الثالثة من بعد الظهر بتوقيت دمشق. وبين بداية نهار العمل ونهايته من الجهة الأخرى، كان رنين هاتف البيت الابيض كفيلاً بان يوقظ ما تبقى من ساعات لهذا اليوم حسب توقيت البلدين!
ترجّح مصادر مقربة من البيت الابيض ان المتصل الذي اراد الحديث الى الرئيس بوش في ذالك الصباح الخريفي الذي انقلب خريفا سياسيا على دمشق كان الجنرال ديفيد بتريوس. قال بتريوس على الهاتف: “سيدي الرئيس اننا نتابعه منذ عدة اشهر، ولدينا كل الاثباتات حول نشاطه الارهابي، فهو يقود شبكة لتجنيد الارهابيين في انحاء العالم العربي كافة وهو على صلة مباشرة باجهزة الاستخبارات السورية التي تساعده في تأمين اماكن التدريب والاعداد داخل الاراضي السورية من اجل إرسالهم الى العراق”.
استغرب الرئيس بوش هذه المعلومات و سأل: “ألم تسالهم عن تعهداتم السابقة بالتعاون الامني من اجل سلامة الحدود ووقف تسلل الارهابيين”؟ رد الجنرال الموثوق من القيادة والشعب الامريكيين: “اننا نطالبهم بتسليمه منذ شهرين، الا انهم بدلا من ذلك اعطوه الكثير من التسهيلات اضافة الى معسكر جديد للتدريب وموقع لادارة العمليات قريب من الحدود، و لدينا كامل المعلومات عن وجوده في ذلك الموقع”.
سأل الرئيس جنراله عن الخطط البديلة، ليفاجئه بتريوس بجهوزية الخطة البديلة وهي عملية خاطفة داخل الاراضي السورية يتم تنفيذها خلال ساعات وكفيلة بتدمير موقع العمليات وقتل الهدف توجيه رسالة واضحة للقيادة السورية بأن التعاون ليس فقط بالكلام بل بالفعل الذي لم تقوموا به بعد.
اتفق الجنرال والرئيس على تحديد ساعة الصفر التي تكفل البيت الابيض بإبلاغ المؤسسات الامركية بها قبل موعد التنفيذ باقل من ساعتين.
المصدر القريب من البيت الابيض يضع مسالة عرض الجنرال وقبول الرئيس في خانتين مختلفتين.
فالاول، وبعد ان غادر العراق، رفض ارسال اي رسالة تطمين امنية وعسكرية للسوريين بل فقط طالبهم بمزيد من التعاون في العراق وفي لبنان، ما أثار استغرابا سوريا حول هذا المطالب. فبتريوس بدأ يربط الكثير من الحوادث الارهابية في المنطقة ضمن نقطة التقاء سورية تبعث برسائلها الامنية على طرفي الحدود. فهي تنقلها من العراق الى لبنان او من لبنان الى العراق بانتظار معجزة سياسية دولية تسمح لها التدخل في احد البلدين للقضاء على الارهاب الذي صنعته بنفسها. ولكن لم ينطلِ على الجنرال بتريوس.
اما الرئيس، فهناك رسالة اراد توجيهها، ومفادها ان هذه الادارة صاحبة القرار ولها القدرة على التحرك حتى آخر يوم لها في البيت الابيض، و ما قام به الوزير المعلم من نقل في محاولة لإحراج الادراة عن طريق اصدقائه الاسرائليين لن يمر.
ويضيف المقربون من البيت الابيض انه اثناء وجود المعلم في نيويورك ولقائه بنظيرته الوزيرة رايس، وعدته الوزيرة برعاية امريكية للمفاوضات الجارية بتركيا والتشجيع لتصبح مباشرة.
الوزير نقل هذا كلام رايس للرئيس بشار الاسد، الذي اوصل الكلام للاسرائيليين بصيغة تنازل امريكي وطالبهم بالانتظار ما بعد الانتخابات لاستئناف المفاوضات غير المباشرة!
وصل الطلب السوري عبر الاسرائليين الى البيت الابيض، الأمر الذي ازعج الرئيس المغادر بوش الذي لم يكتف بسحب التعهد الامريكي برعاية المفاوضات المباشرة وبإحداث خرق ملموس في مسار المفاوضات، بل انه طالب الجانب الاسرائيلي بوقف كل نشاطات التفاوض في انقرة والعودة الى استخدام لهجة لتهديد والتوتير في المنطقة، وساعده في ذلك تعثر قيام حكومة اسرائيلية جديدة.
خريف سوريا الطويل يبدو انه مستمر حتى اخر يوم من عمر الادارة الحالية، والاخطر من ذلك ان تقوم هذه الادارة بتوديع سوريا على طريقتها الخاصة.