واجبات تجاه الرأي
جيمي وايت
ترجمة محمد نور الله
ما هي الواجبات المفروضة عليّ، والتي يجب أن ألتزم بها تجاه حقّك في إبداء رأيك.ما الّذي يتوجّب عليّ أن أفعل كي أحترم رأيك. سنبدأ من أصعب متطلّبات حقّ التعبير عن الرأي حتى أسهلها.
– هل يفرض عليّ حقك في التعبير عن رأيك أن أتّفق معك في رأيك؟
كلا، إلا إن كان مطلوبا من هذا الرأي أن يصبح قناعة طاغية. فأنا أيضا أملك رأياً قد يختلف عن رأيك. عندها نعجز نحن الاثنين عن تحقيق واجبنا المفترض هذا تجاه بعضنا. ثم إذا أردنا التفكير بالتطبيق العمليّ لهذا الواجب فسيتوجّب على كلّ إنسان أن يغيّر رأيه في كلّ مرة يصادف فيها شخصاً برأي مختلف، فيغيّر دينه أو توجّهه السّياسيّ وسيارته وعادات أكله وكلّ شيء.
هل يفرض عليّ حقك بالتعبير عن رأيك أن أستمع إليك؟
أيضاً كلا. لا وقت لديّ لذلك. العديد من الناس يملكون عديد الآراء في عديد القضايا. لا يمكننا أن نمشي غرب لندن دون أن نسمع أحد المتحمّسين يصرّح برأيه عن المسيح المنقذ أو المؤامرة الصهيونية أو أيّ من المواضيع الأخرى المهمة، الاستماع إلى كلّ تلك الآراء مستحيل، وهو ليس فرضاً على أحد.
هل يفرض عليّ حقك في التعبير عن رأيك أن أدعك تحتفظ برأيك؟
هذه النقطة هي ما يقصدها أغلب من يقولون بحقّهم في التعبير عن رأيهم. يستخدمون هذه العبارة في تلك اللحظة التي يشعرون فيها أنهم أخطؤوا في حجّتهم وأنّ عليهم أن يغيّروا رأيهم عند تلك النقطة. وهو أيضاً أضعف تفسير ممكن للحقّ في التعبير عن الرأي، وفي نفس الوقت أكثرها عرضة لاجتياز العقدة.
رغم ذلك فهي حجّة قويّة. ليس من المفروض علينا أن نترك الآخرين يتمسّكون برأيهم، وعلى النقيض فإننا نملك أغلب الأوقات واجباً بإقناعهم بتغيير آرائهم. لنأخذ مثالاً بسيطاً واضحاً. أنت على وشك عبور الشارع مع صديق، تلوح سيارة مسرعة في الطريق وصديقك يهمّ باجتياز الشارع. وطالما أنك تعرف أنّ صديقك لا يريد الانتحار فالأكيد أنه يعتقد بعدم وجود سيارة، هل أنت مجبر على عدم التدخّل لتغيير رأيه؟
بالطبع لا. عليك أن تتّخذ كلّ خطوة ممكنة عقلانية لتغيّر رأيه، ربّما عن طريق لفت انتباهه لوجود السيارة بالقول (احذر، هناك سيارة). بهذه الطريقة أنت لم تنتهك حقّه، بل على العكس، أغلب الظن أنّه سيشكرك. حين يكون الرأي متعلقا بوجود أو عدم وجود سيارة ستدهسهم فإنّ الكلّ مهتم بمعرفة الحقيقة وتصحيح خطئهم فوراً. هذه القاعدة تنطبق على أيّ موضوع، وإن كان أحدهم مهتماً حقاً بمعرفة الحقيقة فلن يأخذ أيّ خلاف بالرأي على أنه تعدّ على حقّه أو حتّى تجريح موجّه له.
في كثير من المواضيع، العديد من الناس غير مهتمين بمعرفة الحقيقة. قد يفضلونها اذا تبين أنهم كانوا مصيبين لكنّ الحقيقة بالنسبة لهم ليست مهمّة كثيراً. معظم أصدقائي، ورغم أنهم لا ينتمون لدين معيّن، يقولون إنهم يؤمنون بقوّة عليا ذكية أو شيء ما أسمى منا نحن البشر رغم أنّهم ينكرون بكلّ صراحة وجود أدنى دليل ملموس على هذا الكائن. حسن. لا مشكلة. لا توجد نتائج خطرة مترتبة على هذا الاعتقاد كالنتيجة الخطرة للاعتقاد بعدم وجود سيارة في الشارع. لذا فهم لا يهتمّون بمعرفة الحقيقة. هم فقط يحبّون أن يؤمنوا بهذه الفكرة، ربما لأن الأمر سيكون أفضل لو أنّ هذا الاعتقاد صحيح، ربّما لأنّه يجعلهم يتفقون مع أهلهم المتديّنين، أو أيّ سبب آخر ممكن.
لكن الحقيقة ليست هي الأمر المهمّ بالنسبة لهم في جدل كهذا. وسيكون مزعجا لهم التأكيد على هذا الجدل بل إنهم سيقدمون على الادّعاء بأنّ الحقيقة ليست هنا ولا هناك ويقولون “أنا حر في رأيي”. وحين تسمع تلك الجملة فاعرف أنّ المضيّ في هذا الجدل سيكون أمرا فظّا بالنسبة لهم. قد تكون مهتمّاً بصحّة أو خطأ رأيهم أو الحقيقة، لكن خذها مني، إنّهم غير مهتمين.
هامش:
*هذا النص مترجم من كتاب (جرائم على المنطق – في الكشف عن الحجج الواهية للسياسيين، رجال الدين، الإعلاميين، وكل معتدٍ على المنطق) لمؤلّفه (جيمي وايت).
جيمي وايت أستاذ فلسفة من نيوزيلندا ومحاضر سابق في جامعة كامبردج. قام بنشر العديد من المقالات الفلسفية أغلبها عن موضوع “الحقيقة” في مجلات كـ “التحليل – ANALYSIS ” و”المجلة البريطانية لفلسفة العلم”. فاز بجائزة “أفضل مقالة لفيلسوف تحت الثلاثين من العمر” في مجلة Analysis. ألّف ثلاثة كتب هي (أفكار سيئة – دليل لتفكير صاف – 2003) و(جرائم على المنطق – 2004) و(الكثير عن (توني) بلير – اقرأ هذا الكتاب قبل أن تصوّت له – 2005).