المِلَبِّس الدمشقي.. رمز المناسبات السعيدة: عندما يتحول اللوز إلى حلوى
دمشق: هشام عدرة
إذا حضرت عزيزي القارئ ولأول مرة عرساً دمشقياً لا بد وأنك انبهرت بتلك الصرر (البقجات باللهجة الشامية) والمغلفة بورق السيلوفان ولا بد أن فضولك سيقودك إلى الاستعجال بفتحها عندما تقوم أم العريس بتوزيعها على ضيوف العرس ولن تنتظر حتى تذهب إلى منزلك لتشاهد ما بداخلها. وإذا ما فتحتها ستجد الأناقة في توضيب محتواها، كما في غلافها الخارجي والورود التي تزينه ففي داخلها هناك: (الملبّس) تلك الحلوى الدمشقية اللذيذة والصغيرة الحجم، التي يعادل شكلها حجم حبة اللوز تماماً وهو المكون الرئيسي لها، فاللوز هنا قد ألبسه الدمشقيون وبشكل فني متقن بالسكر ورشوه بماء الورد ليتحول إلى ضيافة أنيقة في الأعراس والأعياد وفي مناسبة الولادة، وكلما كبرت الصرّة كلما دلّ ذلك على زيادة عدد حبات الملبس فيها وكلما زادت جودتها وأناقة مصنعها تدلل على غنى أصحاب العرس وكرمهم..
والملبس صناعة دمشقية قديمة اشتهر بها الدمشقيون ورافقتهم في عدة مناسبات شعبية ودينية وفي الأعراس والأعياد وهو ـ حسب مصنع وبائع لها يدعى أبو مازن ويمتلك محلاً في سوق البزورية القديم المتخصص بالملبس والحلويات المجففة ـ عدة أصناف ومنه ملبس اللوز أو الفستق الحلبي أو الحمّص والمشهورة بدمشق، حيث تلبس بالسكر وتتحول إلى (قضامة) وهناك من تفنن بطرق التلبيس فأضافوا لها الألوان من خلال ماء الزهر والصبغات من ماء الورد، حيث صار لونه ورديا والملبس باللوز له عدة طرق ومناسبات ـ يضيف أبو مازن ـ فالملبس الذي يقدم في الموالد غير ملبس الأعياد الذي يتكون من سكر ناعم أملس وبعدة ألوان أما ملبس الموالد فيكون بلون واحد فقط وهو الأبيض وطبقة السكر عليه قليلة ويكون طازجا وفي مناسبات العودة من الحج أو الولادة ومجيء الطفل في الأسرة، خاصة إذا كان ذكراً يوزع الملبس الشامي من بركة المولد. أما أشهر من عمل بالملبس فهو والد الشاعر نزار قباني ولم يرثه احد من أولاده وكان لديه معمل بدمشق القديمة في حارة مئذنة الشحم قرب منزلهم، أما طريقة تحضير ملبس الموالد فتكون على الشكل التالي: يحمّص اللوز ويلبس بالسكر من خلال وضعه بأوان نحاسية ويحمّى بطبقة رقيقة من السكر على نار هادئة وبعدها يبرّد ويعبأ بصرر فضة أو بعلب هدايا ويوزع على الضيوف وهو معروف خارج دمشق وسورية ولكن ليس الشكل الشعبي منه فالملبس الدمشقي لا يصدّر لان عمره أسبوع فقط وبالتالي يستهلك مباشرة ولا يخزن لأنه يفسد ولكن توجد أنواع أخرى تدعى (الدراجي العادية) فهذه تصدر وحتى أصبحوا يصنعونه في أوروبا ولكن من خلال خبراء دمشقيين وقبل أشهر ـ يقول أبو مازن ـ جاء صحافيون هولنديون أجروا تحقيقا عن الملبس الدمشقي وبعد فترة عادوا كتجار وطلبوا خبيراً دمشقياً أخذوه معهم ليصنع لهم الملبس في هولندا. وحاليا الملبس الدراجي صار الدمشقيون يضيفون له الشوكولاته أما الشعبي فلا يضاف له شيء واشهر العائلات الدمشقية التي تمتلك حاليا معامل لتصنيع الملبس هناك عائلة السيوفي في البزورية وهي الأقدم ويتوارثونها أباً عن جد وأمهرهم طه السيوفي في البزورية.
أما البقجة والصرة فهي تقليد دمشقي للمناسبات، حيث توزع على المحتفلين والضيوف ولكن في ذكرى المولد النبوي والموالد توزع بصرة موحدة ويتباهى بها الفقراء والأغنياء حيث يوزعونها في الوقت نفسه وبنفس الشكل وتوزع بشكل كبير، حيث تعتبر بركة المولد وملبس المولد لذيذ الطعم وسكره قليل واللوز عندما يحمص تضاف له نكهة طيبة في حفلات الزفاف يوزع الملبس الملون والسكر يكون مصقولا عليه ويستمر لفترة أطول ويوزع بصرة مختلفة عن الموالد التي تكون دائما فضية اللون أما في حفلات الزفاف، يضاف لها وردة وشبك ابيض وكل سيدة منزل (أم العريس) تتفنن بطريقة صر الصرة وماذا ستضيف لها ولذلك تختلف مكونات الصرّة من سيدة لأخرى. وبشكل عام فإن الملبس حالياً عبارة عن سكر قليل ولوز محمص مع معطرات كماء الورد وماء الزهر ولونه الزهري يأتي من إضافة ماء الزهر له وحاليا صار هناك ألوان سماوية وغيرها من خلال إضافة أصبغة طبيعية صحية مع إضافة ماء الورد للنكهة. ويتميز الملبس بمذاق لذيذ، خاصة إذا كان طرياً، حيث يؤكل بسهولة أما إذا كان مغلفاً ومرّ عليه أسابيع وأشهر لاستهلاكه فإن الملبسة تكون قاسية على الأسنان وتحتاج لتكسيرها بالأضراس والأسنان حتى تؤكل ولكن يبقى طعمها لذيذاً أما الفائدة الصحية للملبس فكونه محضّرا من مواد طبيعية وفائدة اللوز معروفة بين المكسرات وكذلك فائدة ماء الورد والسكر البسيط غير المعامل والمعقد والمغلي فهذا طبيعي تماماً ولذلك فالملبس يعطي طاقة للجسم عند تناوله.
جريدة الشرق الاوسط