صفحات سورية

سورية وإيران في ظل رئاسة أوباما: ما الذي سيتغير؟

null
توفيق المديني
الانتصار التاريخي الذي حققه أوباما في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، سيكون بمنزلة تحول «ثوري»، لأنه سينهي حقبة سيطرة المحافظين الجمهوريين الطويلة على الحياة السياسية الأميركية، والتي جعلت الحزب الديمقراطي يعيش في وضع دفاعي منذ الثورة الريغانية العام 1980، لكن هذا الانتصار سيجعل من الحزب الديمقراطي الحزب المهيمن في أميركا مع بداية القرن الحادي والعشرين.
الصعود القوي لأوباما يمثل انقلابا إيديولوجيا، فالزمن في ظل الإفلاس التاريخي لليبرالية الجديدة، هو لبرنامج أوباما الأكثر تكيفا للتصدي لأزمة الاقتصاد الأميركي: عودة الدولة من جديد لمواجهة انحرافات الرأسمالية المالية المعولمة، وشبح الكساد الذي يخيم على العالم، وانتهاج سياسة ضريبية من طبيعتها أن تفاقم عدم المساواة في المجتمع الأميركي، والقيام بإصلاح شامل للرعاية الصحية من شأن هذه الخطة أن توفر تأمينا شبه شامل من دون إلزامية التسجيل في التأمين التي تفرضها الخطط المنافسة.
ثم إن وصول أوباما إلى البيت الأبيض، الرجل الأسود الذي وعد بالتغيير الحقيقي، يعتبر انقلابا سوسيولوجيا تاريخيا في النخب السياسة الأميركية. فجيل أبناء الطبقة السياسية الحاكمة التقليدية جورج بوش، كلينتون وهيلاري يترك مكانه لجيل جديد مؤلف من أعراق متعددة، وفي ظل هذا التعدد العرقي والإثني سيجد نفسه أكثر في الحزب الديمقراطي أكثر منه في الحزب الجمهوري الذي يهيمن فيه العرق الأبيض.
على صعيد السياسة الخارجية، الرئيس الديمقراطي لن يقوم بمعجزة، لكنه بشخصيته المنفتحة، سوف يكون متوافقا مع عالم جديد، حيث الغرب لم يعد فيه المركز الاقتصادي والسياسي الرئيس. إنه عالم متعدد الأقطاب.
في المحطات التاريخية الكبرى التي أعقبت الحروب الداخلية والخارجية والأزمات الاقتصادية الكبيرة، أفرز المجتمع المدني الأميركي رجالا عظاما أسسوا لحقبات تاريخية جديدة في الاقتصاد والسياسة والقانون وعلم الاجتماع، أمثال: جورج واشنطن، توماس جيفرسون، إبراهام لينكولن، فرانكلين روزفلت، ورونالد ريغان قائد الثورة الليبرالية الجديدة التي عمت الكون.
الآن، الولايات المتحدة الأميركية تواجه تحديات اقتصادية غاية في الصعوبة بعد الأزمة المالية الراهنة، وبعد ثماني سنوات من حكم جمهوري تسبب في حربين في العراق وأفغانستان مكلفتين ماديا وبشريا، ولا نهاية قريبة لهما، إضافة إلى حرب غير معلنة ضد سورية وإيران.
الرئيس المنتخب أوباما يدشن للحقبة الديمقراطية الجديدة، وهناك رهانات وآمال كبيرة من دول الشرق الأوسط، ولاسيما سورية وإيران، تعلق على أوباما، تذكرنا بالرهانات التي عقدت على الرئيس الجمهوري المنتهية ولايته جورج بوش في الانتخابات الرئاسية الأميركية العام 2000، لاعتقادها أنه سيعيد تكرار سياسة والده جورج بوش الأب في الشرق الأوسط على الأقل.
سورية رحبت بانتصار أوباما في الانتخابات الرئاسية الأميركية. ففي افتتاحية صحيفة الثورة، المعنونة «نحن وأوباما» تاريخ 6/11/2008، كتب أسعد عبود يقول: «سورية عقل منفتح للحوار ويد ممدودة للسلام والتعاون والبناء… ومن الطبيعي جدا أنها تنتظر التغيير في السياسة الأميركية التي عانت خلال السنوات الثماني الماضية من تحجر يشابه كثيرا تحجر العقول الأصولية. لقد أغلقت الآذان في الإدارة الأميركية على كل نداءات الحوار والتعاون… وفضلت عليها رسائل الضغط والتهديدات والاستصغار وهذه من صفات الغباء السياسي».
التغيير الذي تنتظره سورية من السياسة الخارجية الأميركية في ظل العهد الجديد الذي دشنه الرئيس المنتخب أوباما، وفي إطار في معالجته لأزمات المنطقة، يتمثل في مباركة الولايات المتحدة الأميركية للمفاوضات المباشرة بين إسرائيل وسورية، وضرورة الاشتراك فيها. وتعتقد سورية أن المفاوضات المباشرة مع إسرائيل تقتضي، أولا: استقرار الوضع السياسي في إسرائيل التي من الواضح أنها مقبلة على إجراء انتخابات مبكرة، ولاسيما في ظل إخفاق تسيبي ليفني بتشكيل حكومة. وثانيا: رعاية الولايات المتحدة الأميركية لأي مفاوضات مباشرة.
يقول المرشح الديمقراطي السابق للرئاسة غاري هارت،الذي يدعم أوباما إن الاقتصاد بات «مسألة دولية لا يمكن وضعها في صندوق منفصل عن صندوق السياسة الخارجية وصندوق الأمن القومي». وعليه، يقول غاري هارت إن الأولويات المفروضة على باراك أوباما كأمر واقع نتيجة الاقتصاد، لن تسمح له ولن تتيح له الوقت لمعالجة أزمات أخرى مثل النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، أو السوري – الإسرائيلي.
الموقف الأميركي فيما يتعلق بمعالجة الأزمة السورية-الأميركية، التي ظلت إدارة الجمهوريين تكرره خلال السنوات القليلة الماضية، وتردده إسرائيل بالتوافق معها، لن يحيد عنه باراك أوباما، حتى لو فتح حوارا مع السوريين. وهذا الموقف يعتبر من الثوابت في السياسة الخارجية الأميركية، و يتمثل في فك عرى التحالف بين سورية وإيران. فإيران في نظر أميركا وإسرائيل عدو ثابت واستراتيجي لعملية السلام، بل لإسرائيل، فضلا عن أنها تعتبر في الوقت عينه حليفا استراتيجيا لسورية، وتدعم حركات المقاومة، ولاسيما «حزب الله» وحركة «حماس».
فأوباما ليس اقرب إلى العرب كما يفترض الكثيرون، بل يخشى من انحيازه إلى إسرائيل أكثر بكثير من أي رئيس جمهوري آخر، لاعتبارات تتعلق بالتشكيك في أصوله الدينية، والحال هذه سيظهر انحيازا لإسرائيل، وهذا ما أظهرته التشكيلات الأولية لطاقمه الجديد المتكون في معظمه من يهود عملوا في إدارة كلينتون السابقة. ففي أول مؤتمر صحافي له في مدينة شيكاغو، بعد انتخابه رئيسا للولايات المتحدة الثلاثاء الماضي، أعلن الرئيس الأميركي المنتخب أوباما في توجه واضح لسياسته الشرق أوسطية، ان على ايران «الكف عن دعم المنظمات الارهابية»، مشددا على انه «لا يمكن قبول محاولتها صنع السلاح النووي»، ومضيفاً «أعتقد أن صنع إيران السلاح النووي أمر لا يمكن قبوله، وعلينا أن ننظم جهداً دولياً لمنع حدوث ذلك».
لكن هذا لا يعني أن أوباما سيظل سجين نهج سلفه في مجال السياسة الخارجية من حيث العلاقات مع سورية، وحتى مع إيران. فهو قد اعلن في حملته الانتخابية أنه مع إعادة فتح الحوار مع سورية ورعاية الولايات المتحدة المفاوضات القائمة بين سورية وإسرائيل. لكن السياسة الخارجية في الولايات المتحدة تظل سياسة مؤسسة، أي «الاستابلشمانت» سواء من حيث تحديد مصالحها الحيوية والاستراتيحجية أم من حيث السياسات التي تحمي هذه المصالح. وهذه السياسة الخارجية، ليست من صنع الرئيس بمفرده، بل هي حصيلة توافقات بين المجمع الاحتكاري الصناعي والعسكري والنفطي الأميركي واللوبي الصهيوني. والرئيس أوباما لن يحيد عن ثوابت هذه المؤسسة.
السؤال الذي يطرحه المحللون الغربيون، هل تستجيب سورية لهذا المطلب الأميركي، كي توقع على اتفاقية سلام مع إسرائيل؟
الثوابت الوطنية والقومية في السياسة السورية تؤكد استعادة الجولان كاملا حتى حدود الرابع من يونيو (حزيران)، وإذا حصلت على مطلبها هذا فإنها مستعدة لإبرام اتفاق سلام مع إسرائيل. بيد أن سورية لن تفك تحالفها الاستراتيجي مع إيران، وهي لاتزال تخوض معركة استعادة أراضيها المحتلة منذ العام 1967. فضلا عن ذلك، فإن إيران تقدم دعما اقتصاديا ونفطيا واستثماريا هائلا لسورية يقدر بمليارات عدة من الدولارات، سورية في أمس الحاجة إليه في ظل الحصار الاقتصادي الذي تعيشه، الأمر الذي يحول دون أن تتخلى دمشق عنه بمثل هذه السهولة، مقابل ماذا، مقابل أوهام وسراب لسلام خادع سوف ينعش به أوباما العرب والفلسطينيين لمدة عشرين سنة قادمة؟
كاتب من تونس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى