محور دمشق – طهران لم ينتصر في أي ساحة
عبد الكريم أبو النصر
“وجه أميركا الجديد أسود. لكن الرئيس المنتخب باراك أوباما، الذي يشكل دخوله الى البيت الابيض حدثا استثنائيا ليس له سابق في التاريخ الاميركي، انتصر خصوصا لانه يحمل الامل في التغيير الكبير وفي ان تشهد الولايات المتحدة معه اياما بيضاء وان يتمكن عهده من انقاذ الاميركيين من مآزقهم الداخلية والخارجية.
ويجد أوباما نفسه يرث ويواجه، في وقت واحد، ثلاث حروب معلنة وحربا خفية، وهو يحدث للمرة الاولى في تاريخ الولايات المتحدة: الحروب المعلنة هي: حرب العراق، وحرب افغانستان، والحرب المتعددة الجانب ضد الارهاب. اما الحرب الخفية فهي: تلك التي تخوضها الولايات المتحدة ضد المحور السوري – الايراني المتشدد وتستخدم فيها اسلحة ووسائل متنوعة. وستحتل هذه الحرب الخفية موقعا مهما في اولويات ادارة اوباما وخططها وحساباتها لان المحور السوري – الايراني يشكل، في اهدافه وطموحاته وتحالفاته، تهديدا جديا للامن والاستقرار في الشرق الاوسط وللمصالح الاميركية الحيوية وتهديدا محتملا للامن والسلم الدوليين”.
هذا ما اكده لنا ديبلوماسي اوروبي بارز معني بالامر زار واشنطن اخيرا والتقى اعضاء في فريق اوباما الاستشاري وأعد تقريرا رفعه الى حكومته حول واقع المحور السوري – الايراني ومستقبله. وضمن هذا الاطار يجد اوباما نفسه امام تأزم شديد في العلاقات بين اميركا ونظام الرئيس بشار الاسد، وهو تأزم تحول اخيرا مواجهة عسكرية محدودة، اذ شنت القوات الاميركية الخاصة غارة على منطقة “البوكمال” قرب الحدود العراقية استهدفت اعتقال او تصفية زعيم شبكة مهمة مرتبطة بتنظيم “القاعدة” يحمل لقب “ابو غادية” ويقوم بتهريب المقاتلين العرب والاسلحة والاموال الى العراق. ووفقا لهذا الديبلوماسي الاوروبي فقد ارادت ادارة الرئيس بوش تحقيق اربعة اهداف عبر هذه الغارة هي: تسليط الاضواء على العلاقة القائمة بين النظام السوري والجهاديين عموما وتنظيم “القاعدة” خصوصا، معاقبة النظام السوري على استخدامه ورقة الجهاديين ورفض دفع “ثمن ما” له لوقف تعاونه معهم، وضع نظام الاسد امام خيارين صعبين: فإما العمل جديا على وضع حد نهائي لتسلل الجهاديين الى العراق، وإما مواجهة احتمال تكرار العمليات العسكرية ضد سوريا، واظهار العزلة العربية والدولية الواسعة التي يعانيها نظام الاسد اذ ان سائر الدول امتنعت عن التضامن الجدي معه.
واكد الديبلوماسي الاوروبي في تقريره ان المحور السوري – الايراني قادر على الاذى لكنه عاجز عن تحقيق اي انتصار حقيقي ملموس له. وركز على المسائل والنقاط البارزة الآتية:
اولا، فشل المحور السوري – الايراني في تغيير الاوضاع وموازين القوى في المنطقة لمصلحته كما فشل في اقامة نظام مرتبط به في اي من دول الشرق الاوسط ولم يتمكن من تغيير علاقات الدول الكبرى مع اي من دول المنطقة “من اجل ارضاء المسؤولين السوريين والايرانيين”.
ثانيا، تعتمد سوريا وايران سياسة المواجهة وتستخدم القوى المتشددة اللبنانية والفلسطينية والعراقية والعربية ليس من اجل الانتصار على اميركا والغرب، بل من اجل التقارب مع اميركا والغرب ومحاولة تأمين مصالحهما عبر هذا التقارب، وخصوصا ان نظام الاسد فشل عبر المواجهة في تحقيق اي انجاز حقيقي له في لبنان وفلسطين والعراق والمنطقة عموما، كما ان ايران فشلت عبر المواجهة في الحصول على دعم اوروبي – دولي في معزل عن اميركا لبرنامجها النووي الحالي، الذي سيجعلها تمتلك السلاح النووي اذا ما واصلت عمليات تخصيب الاورانيوم في اراضيها. ولم يتمكن المحور السوري – الايراني من الافادة من حرب صيف 2006 بين اسرائيل و”حزب الله”، اذ انه لم يستطع تعزيز موقعه التفاوضي مع الدول الغربية البارزة استنادا الى نتائج هذه الحرب وخلافا لما كان يأمله المسؤولون السوريون والايرانيون.
ثالثا، اي حوار محتمل ستجريه الادارة الاميركية الجديدة مع النظامين السوري والايراني، سيشكل تغييرا في اسلوب التعاطي معهما لكنه لن يشكل تغييراً في الجوهر والمضمون، وهو ما فعله الرئيس نيكولا ساركوزي عبر انفتاحه المشروط على سوريا. ذلك ان الرئيس الاميركي الجديد سيحاول، عبر الوسائل الديبلوماسية، تحقيق الاهداف والمطالب ذاتها المتعلقة بلبنان وفلسطين والعراق والملف النووي الايراني وبالمنطقة عموما وبعملية السلام، وهي اهداف ومطالب حدث توافق وتفاهم دوليان في شأنها. وليس واردا اطلاقا ان يقبل الرئيس الاميركي الجديد مطالب سوريا وايران المتشددة في ما يتعلق باي قضية او ملف، لان ذلك يشكل تهديدا لامن المنطقة واستقرارها ولموازين القوى فيها، وكذلك للمصالح الاميركية الحيوية.
“حزب الله” و”حماس”
رابعا، فشل المحور السوري – الايراني في تأمين اي انتصار لحليفيه الاساسيين “حزب الله” و”حماس”. فالحزب لم يتمكن، على رغم الدعم العسكري والمالي السوري – الايراني الكبير له، واستخدامه السلاح والعنف والتهديدات المختلفة، لم يتمكن من حسم الامور لمصلحته او من تغيير موازين القوى جذريا في لبنان لمصلحته.
وهذا العجز هو ما دفع الحزب الى التصالح مع خصومه الاساسيين الذين اراد سابقا “الغاءهم” من المعادلة بتحريض سوري قوي، وذلك استعدادا للانتخابات النيابية الحاسمة ربيع 2009 ، ومحاولة منه لتخفيف حدة النقمة الشديدة عليه في صفوف الغالبية الكبرى من اللبنانيين ومن مختلف الطوائف.
كما ان “حماس” لم تتمكن من تحقيق هدفها الاساسي القاضي باسقاط السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس اثر تنفيذها انقلابها المسلح في غزة بتحريض ودعم من سوريا وايران، وحتى لم تستطع تأمين اي مكاسب او انجازات عسكرية او سياسية او معيشية للفلسطينيين، لذلك لجأت الى التهدئة الامنية مع اسرائيل. وتواجه “حماس” اليوم في الواقع مأزقا سياسيا وعسكريا وامنيا وشعبيا كبيرا يضعفها ويحد من قدرتها على اقناع الغالبية من الفلسطينيين بصحة منهجها وتوجهاتها، وهي تجد نفسها في حال من الهدنة مع اسرائيل، وفي حال من العداء والمواجهة السياسية مع الكثير من الانظمة العربية البارزة والمؤثرة نتيجة سياساتها وتوجهاتها المتعارضة مع مصالح الشعب الفلسطيني. ولم يفعل المحور السوري – الايراني شيئا لمساندة “حماس” وتعزيز مواقعها في مواجهة اسرائيل والمجتمع الدولي لان هذا المحور ليس لديه اي نفوذ او تأثير على الدول الكبرى. كما ان هذا المحور لم يفعل شيئا لمساندة “حماس” عسكريا. فالنظام السوري لن يفتح جبهة الجولان المغلقة منذ عام 1974 امام عمليات المقاومة ضد اسرائيل لتخفيف الضغوط على الفلسطينيين، كما ان القيادة الايرانية تكتفي بشن حملات كلامية على اسرائيل لكنها ترفض الدخول في مواجهة مباشرة معها دفاعا عن الفلسطينيين.
خامسا، فشل المحور السوري – الايراني في ان يفرض ذاته على الدول العربية كتحالف اساسي يجب التفاوض معه والاخذ بمطالبه لمعالجة قضايا المنطقة. فنظام الاسد لم يتمكن من تحقيق او تأمين مصالحه بالتفاهم مع دول عربية بارزة وعلى حساب لبنان المستقل السيد، والنظام الايراني لم يحقق تقاربا جديا مع المجموعة العربية والدول المؤثرة فيها على اساس شروطه. بل ان المجموعة العربية تتمسك بضرورة وقف القيادة الايرانية مساعيها لمحاولة الهيمنة على المنطقة وانتاج السلاح النووي. كما ان المجموعة العربية تعارض وترفض بحزم وبشكل مستمر اي محاولات يقوم بها نظام الاسد لفرض هيمنته مجددا على لبنان، وتتعاون مع الدول البارزة والمؤثرة وعلى رأسها اميركا وفرنسا من اجل دفع القيادة السورية الى تنفيذ مطالب المجتمع الدولي التي حددتها مجموعة قرارات صادرة عن مجلس الامن وابرز هذه المطالب: الاعتراف رسميا وفعليا بلبنان المستقل وتبادل التمثيل الديبلوماسي معه، ترسيم الحدود مع لبنان وضبطها، وقف ارسال الاسلحة الى “حزب الله” وحلفاء دمشق الآخرين، والامتناع التام عن التدخل سلبا في الشؤون الداخلية اللبنانية، تكريس لبنانية مزارع شبعا رسميا وخطيا لتسهيل استعادتها بالوسائل الديبلوماسية، تقبل نتائج التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وفي جرائم سياسية اخرى والتعاون مع المحكمة الدولية.
العرب المعتدلون والمحور
سادسا، فشل المحور السوري – الايراني في اضعاف جبهة الدول والقوى العربية المعتدلة وعلى رأسها مصر والسعودية، او في إحداث اي اختراق فيها لمصلحته، كما فشل هذا المحور في دفع بعض الدول العربية الى الرضوخ له ولمطالبه وعقد صفقات محددة معه من خلال ممارسته الضغوط المختلفة المباشرة وغير المباشرة عليها ومن خلال استخدامه المتشددين والجهاديين وعناصر تنظيم “القاعدة” لمحاولة زعزعة الامن والاستقرار في هذه الساحة او تلك. بل لا تزال هذه الدول العربية المعتدلة مصممة اكثر من اي وقت على مواجهة خطط المحور السوري – الايراني واحباطها، من اجل حماية امن المنطقة واستقرار ومصالح شعوبها الحيوية.
سابعا، فشل المحور السوري – الايراني في عقد اي صفقة مع الدول الغربية البارزة والمؤثرة في اي مجال من المجالات. اذ لم يتم التوصل الى صفقة ايرانية – دولية حول البرنامج النووي الايراني، بل ان الجمهورية الاسلامية لا تزال تواجه احتمالات الحرب ضدها في حال فشلت الجهود الديبلوماسية لوقف مساعيها لانتاج السلاح النووي، وهي خاضعة لعقوبات دولية عدة متزايدة. كما ان الجبهة الدولية التي تضم اميركا وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا والمانيا لا تزال تشترط، من اجل التوصل الى تفاهمات مع القيادة الايرانية، ان يوقف الايرانيون عمليات تخصيب الاورانيوم في اراضيهم، وان يضعوا حدا نهائيا لكل جهودهم الهادفة الى انتاج السلاح النووي. ولم يتم التوصل الى اي ص فقة دولية مع المحور السوري – الايراني حول العراق او فلسطين او لبنان بل ان القرار الدولي المدعوم عربيا يقضي بحماية لبنان المستقل ومنع سقوطه في ايدي السوريين والايرانيين، ويقضي ايضا بمعالجة قضيتي فلسطين والعراق وقضايا اقليمية اخرى استنادا الى قرارات الشرعية الدولية وليس الى مطالب دمشق وطهران.
ثامنا، فشل المحور السوري – الايراني في ان يفرض نفسه كقوة اساسية مؤثرة قادرة فعلا على تغيير مجرى الاحداث في المنطقة. فهذا المحور يستطيع القيام بدور معطل ومخرب ومدمر وافتعال الحرائق في لبنان وفلسطين والعراق وساحات اخرى، لكنه ليس قادرا على منع الاحداث في الشرق الاوسط او على تغيير موازين القوى والمعادلات في المنطقة بما يتلاءم ومصالحه واهدافه ومخططاته. فنظام الاسد لم يستطع فرض “الامر الواقع السوري” على لبنان ودفع اللبنانيين الاستقلاليين الى الرضوخ له، كما ان القيادة الايرانية لم تستطع فرض “الامر الواقع الايراني” على العراق او على لبنان او على فلسطين او على الخليج او على المنطقة عموما كما تريد.
تاسعا، فشل المحور السوري – الايراني في ان يحقق هدفا كبيرا له وهو الحصول على “حماية دولية – عربية” له من اي عمليات او اجراءات قاسية ومؤذية تستهدف طرفيه. فالقيادة الايرانية لم تستطع تأمين حماية دولية لها من اي عقوبات او هجمات عسكرية محتملة قد تستهدف منشآتها النووية والحيوية في حال فشلت الجهود الديبلوماسية لتسوية المشكلة النووية، كما ان نظام الاسد لم يتمكن من تأمين الحماية لذاته ولعدد من المسؤولين السوريين البارزين من المحاسبة او الملاحقة امام المحكمة الدولية المكلفة النظر في جريمة اغتيال الحريري ورفاقه وفي جرائم سياسية اخرى.
فلا تزال سوريا وايران مهددتين باخطار كبرى تستهدف مصالحهما الحيوية نتيجة سياساتهما واعمالهما المختلفة.
واكد الديبلوماسي الاوروبي في ختام تقريره: “ان المحور السوري – الايراني المتشدد قادر مع حلفائه على الاذى والتعطيل في هذه الساحة او تلك لكنه ليس قادرا على تحقيق المكاسب من دون اجراء تغييرات جوهرية في توجهاته وسياساته كما انه ليس قادرا على تغيير الاوضاع في المنطقة او في اي دولة لمصلحته. وهذا الواقع ستأخذه الادارة الاميركية الجديدة في الاعتبار”.
(النهار) ، الجمعة 7 تشرين الثاني 2008