انتخابيات
ساطع نور الدين
لم تكن الصدفة وحدها هي التي جمعت في يوم واحد بين زيارة نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني وزيارة المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية جون ماكين الى العراق. ثمة عوامل عديدة تجمع بين الرجلين، اللذين تفاديا اللقاء المباشر على الارض العراقية، وتقود الى الاستنتاج أن البيئة الجمهورية المحافظة في أميركا، تتطلع الى حلفائها العراقيين والعرب لإخراجها من ركود سياسي واقتصادي حاد، يهدد فرصها الانتخابية وزعامتها العالمية.
زيارة تشيني المفاجئة الى بغداد، التي بدا أنها تضاهي أو تتحدى زيارة الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد الأخيرة الى العاصمة العراقية في مطلع الشهر الحالي، هي مساهمة في توجيه وتصويب التقرير الذي يفترض أن يقدمه قائد القوات الاميركية في العراق ديفيد بترايوس والسفير الأميركي ريان كروكر الى الكونغرس الشهر المقبل، حول الوضع السياسي والأمني في العراق، والذي يشكل أساسا لقرار إدارة الرئيس جورج بوش المتوقع في تموز المقبل حول خفض عدد الجنود الاميركيين أو إبقائه على حاله، ولإعلان الجمهوريين أن التجربة العراقية ليست متعثرة أو فاشلة كما يحلو لمنافسيهم الديموقراطيين القول في سياق الحملة الانتخابية الرئاسية الراهنة. وهو ما أتاح للمرشح جون ماكين مثلا التجول في شوارع الموصل وعدد من المدن العراقية الاخرى والتحدث مع المواطنين العراقيين عن حياتهم التي تعود الى طبيعتها بشكل تدريجي، برغم أن الزيارتين الأميركيتين كلفتا الشيعة العراقيين ما يصل الى 60 قتيلا في كربلاء وحي الكرادة في بغداد!
الخلاصة التي توصل اليها المسؤولون الأميركيون، والتي كانت الدافع الرئيسي لزيارة تشيني، وستكون العنوان الرئيسي لتقرير بترايوس وكروكر المقبل، هي أن القيادات العراقية لم تستغل فرصة تحسن الوضع الامني من أجل دفع العملية السياسية والاقتصادية، ولم تستجب للمطالب الملحة لإدارة الرئيس بوش بإقرار قانون النفط الذي يمكن أن يخفف الأعباء عن كاهل المستهلك، وبالتالي الناخب الاميركي الذي بات الركود الاقتصادي مبرره الرئيسي للجوء الى المرشحين الديموقراطيين باراك أوباما وهيلاري كلينتون.
زيارتا تشيني وماكين هما جزء من الحملة الانتخابية الجمهورية التي لم يعد لديها سوى العراق مخرجا من الخسارة الحتمية. فالمسألة العراقية التي تراجعت الى مرتبة متدنية على لائحة أولويات الناخبين الأميركيين في الآونة الأخيرة، أمام واحدة من أسوأ الأزمات التي يواجهها الاقتصاد الأميركي منذ عقود، هي الأمل الوحيد المتبقي للجمهوريين لكي يبرهنوا على أنهم حققوا إنجازات في الحرب على الارهاب الذي بات محاصرا الى حد بعيد في الداخل العراقي، وحققوا مكتسبات اقتصادية من احتلال العراق.
المهمة الأميركية صعبة، لكنها ليست مستحيلة. وهي تتطلب المزيد من الجهد العراقي في إدارة تفاصيل الحياة اليومية العراقية، بما يسمح ولو بخفض رمزي للقوات الأميركية في تموز المقبل، وبما يسمح للشركات الأميركية ولو ببعض الارباح الاضافية في قطاع النفط العراقي، والمزيد من الحضور العربي الذي يحد من النفوذ الايراني في العراق، الذي أوحى تشيني نفسه أنه مبالغ به الى حد بعيد.
المعركة الانتخابية الأميركية تنتقل الى العراق.. لكنها يمكن ألا تظل محصورة هناك.