حرب أو لا حرب … ليست هي المسألة
حسام عيتاني
أسابيع تفصلنا عن الحرب. الحرب لن تقع. عند أصحاب القول الجازم الأول من الأدلة والتحليلات ما يثبت أن حربا إقليمية واقعة حتما وان ما ينقص اندلاع شرارتها ذريعة ستأتي لا محالة. وعند الفريق الثاني ما يؤكد أن ما من حرب في المنطقة أو في لبنان في المدى المنظور لأسباب وأسباب.
بل إن التساؤل حول وقوع الحرب أو عدم وقوعها تحول الى ما يشبه الرياضة الذهنية يمارسها كتاب ومحللون ينتشرون على وسائل إعلام ومؤسسات بحثية في طول العالم وعرضه. فيكتب تيري آتلس في «يو اس نيوز اند ورلد ريبورت» (13 آذار) معددا ست نقاط دالة على توجه الولايات المتحدة الى الحرب على إيران، ويرد عليه وليام آركن في «الواشنطن بوست» في اليوم التالي، داحضا النقاط الست واحدة واحدة. يتدخل ديفيد اغناتيوس في الصحيفة ذاتها (16 آذار) ساعيا الى إضفاء بعض العمق على التحليلات الصحافية السريعة فيشير الى «ألعاب الانتظارات في الشرق الأوسط». وقد نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (11 آذار) دراسة مطولة للباحث انطوني كوردسمان تضمنت قراءة مفصلة عن حرب تموز 2006 والاستنتاجات التي استخلصها من الحرب وجملة طويلة من التوصيات الى القادة السياسيين والعسكريين الأميركيين والإسرائيليين لتفادي نقاط الضعف التي ظهرت أثناء القتال…
لعل هذا غيض من فيض ما يكتب ويبث في الصحافة ومراكز الأبحاث الأميركية وحدها، عن جولة مقبلة من الصراع في المنطقة، قد تتخذ شكل عدوان عسكري إسرائيلي على لبنان أو هجوم أميركي على إيران. وغني عن البيان أن الأمرين شديدا الترابط، من دون أن يكون أي منهما نتيجة آلية للآخر، في حال حصوله.
غير أن المسألة تظل ابعد من خطر وقوع حرب أو عدوان على لبنان أو أي من دول المنطقة. فالحرب، مهما كانت نتائجها، ستكون كارثية على الشعوب العربية وضمنها الشعب اللبناني لأسباب عدة، بحيث يبدو معها قليل الأهمية من يعلن الانتصار في تلك الجولة.
ومع التزام الحذر حيال الخروج عن جدية الموضوع والسقوط في لفظية ظافرية تعلن قدرة الجانب اللبناني وحلفائه الأقربين والأبعدين، على حسم الموقف العسكري في أي معركة مقبلة، يمكن التذكير بأن حسابات الانتصار أو الهزيمة لا تُحدد فقط في ساحات القتال ولا في النتائج المباشرة للمعارك.
بل أن الخشية، كل الخشية، تكمن في تظهير الحرب المقبلة في حال وقوعها ـ وبغض النظر عن نتائجها ـ لكل المكنونات التفتيتية التي يمثل عراق ما بعد الاحتلال الأميركي عينة مصغرة عنها.
وللناظر في أحوال المجتمعات العربية أن يرى اتساع الردة الثقافية والاجتماعية وتعميم الظلامية الفكرية والسياسية الى حدود غير مسبوقة في طول التاريخ العربي الحديث. ويخطئ من يسعى الى التقليل من جسامة هذه الأخطار على مستقبل الشعوب العربية المندفعة في السير نحو الوراء بحيث بات من العسير تخيل انقلاب التوجه هذا الى نقيض تنويري عقلاني له. ويخطئ أكثر من يسعى الى إيجاد المبررات للظلامية تلك بضرورات وحدة الصف أمام العدو الإسرائيلي أو الأميركي وما شاكل، حيث تفيد التجارب الحديثة، من هزيمة العام 1967 الى سقوط العراق، بوجود اتحاد لا تنفصم عراه بين الردة السياسية والظلامية الاجتماعية والثقافية.
وفيما ينزلق الخطاب الديني ـ السياسي في لبنان والعراق وفلسطين، الى المزيد من توسيع دائرة الأعداء والخصوم والى تصعيد لهجة الإنذارات والتهديدات بالحروب والصراعات النهائية والحاسمة، يبدو الطرف المقابل كمن يرحب باندلاع أي حرب جديدة، لا يفصله عن اتخاذ القرار بشنها سوى اختيار اللحظة والظرف المناسبين طالما أن النتيجة ستكون المزيد من الفوضى والدمار في ارض ومجتمع ومستقبل أصحاب الخطاب الهجومي.
والحال أن السير نحو الحرب سواء في لبنان أو في المنطقة، هو ككل مرة يسير فيها العرب نحو القتال، ينطوي على إهمال خطير لانعكاسات أي صراع دموي جديد على بنى المجتمع وقدرته على تحمل المزيد من الصدمات فيما تشهد شعوب المنطقة الهبوط تلو الهبوط في مؤشرات التعليم والصحة وفرص العمل ومستوى المعيشة. وهذه، ليست من النوافل عند الإعداد للصراعات المعقدة والطويلة بحسب ما بينت تجارب كثيرة.