صفحات سورية

وماذا لو نفذت سورية تهديدها بمعاقبة اميركا؟

null


نجاتي طيارة

نقلت وكالات الأنباء في أواسط شباط الماضي رد وزير الخارجية السورية على إدارة بوش بتوسيع العقوبات على مسؤولين سوريين، وذلك خلال استقباله وزير الخارجية الإيرانية منوشهر متكي. فقد قال الوزير المعلم: إن «عشرات المواطنين السوريين الذين راحوا ضحايا الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان بأسلحة أميركية سيرفعون دعاوى لمقاضاة الولايات المتحدة حيث استخدمت إسرائيل السلاح الأميركي لقتلهم».

كانت إطلالة المعلم على الفضائيات، بمناسبة التصريح، على جري عادته هادئة وواثقة، وبنفس الثقة ذكر أن الدعاوى التي سترفع باسم أولئك المواطنين الضحايا ستكون ردا على الإجراءات العقابية الأميركية، لدرجة أن المعلقين الصحافيين استنتجوا من تصريحه تهديدا سورياً بمعاقبة أميركا. ولم يسأل أحد عن فكرة الدعوى نفسها، والتي لا معنى لها حقوقيا، سواء في القوانين المحلية أو في القانون الدولي، إلا استنادا إلى فكرة الحق. فأين كان هذا الحق طوال الفترة الماضية بعد انتهاء حدث الاعتداءات، ولماذا تأخرت السلطة السورية بالمطالبة به، ثم لماذا تستخدمه اليوم فقط، وردا على أمر تنفيذي أميركي بتوسيع عقوبات كانت قد صدرت في مرحلة سابقة؟

من الواضح أن سياق الرد السوري هذا على الإجراءات الأميركية غير جاد وخارج عن الموضوع، وهو ببساطة ينتمي إلى حقل البروباغندا والابتزاز السياسي، وهما الحقلان المفضلان لدى الإدارة الأميركية ذاتها. إذ أن الأخيرة برهنت مجددا على أن مصالحها في استقرار المنطقة وأنظمتها تتقدم على أي خطاب آخر في الحقوق والمبادئ.

وبينما كان من المنطقي والمفترض انسجام الرد السوري مع خطابه، كي يستند إلى قضايا الحقوق والمبادئ بشكل جاد وحثيث، يلاحظ اندراجه واقعيا في ذرائعية معلنة إلى مسار لا ينفك عن الانغماس في الحوار مع أميركا! فسيل الوفود الأميركية الرسمية او شبه الرسمية إلى دمشق لم ينقطع مؤخرا، من نانسي بيلوسي رئيسة مجلس الشيوخ إلى زبيغنيو بريجنسكي المستشار السابق للأمن القومي ورئيس مؤسسة «راند» الشهيرة لأبحاث التنمية، فضلاً عن التعاون المشهود بين سورية وأميركا في مسائل ضبط الحدود العراقية السورية، ثم المشاركة السورية على رمزيتها في مؤتمر أنابوليس، وهي كلها أمور لا يخفى مغزاها على أحد على الرغم من خطاب الممانعة الشائع، والذي قد يستحق ترقيته إلى خطاب عدم المناطحة، لكن في سياسة ومنطق آخرين.

لكن ما دامت ردود الأفعال هي مناط الحديث هنا، إذ ليس للرغبة السورية في عقاب الإدارة الأميركية من معنى واقعي أو غيره، فهل خطر في بال أحد من المعنيين بالأمر التفكير برد واقعي وفعّال حقا؟

وكما ورد، فإن الإدارة الأميركية استثمرت وتستثمر دوما قضايا حقوق الإنسان في سورية، وأحدثها حاليا قضية معتقلي إعلان دمشق، التي سجن فيها وأحيل على القضاء اثنا عشر ناشطا ومثقفا سورياً، على خلفية انعقاد المجلس الوطني الموسع للإعلان في 1/12/2007. وهي قضية لا يجادل أحد في أن تلك الإدارة الأميركية، حتى في مطالبتها بإطلاق سراح المعتقلين، تستخدمها سياسيا للضغط على النظام السوري والإساءة إلى سمعته وإحراجه، وتصويره كنظام مارق وشرير خارج عن صورة الدولة المدنية الحديثة والمعاصرة. أم أن أحدا سيصدق أن د. فداء الحوراني وفايز سارة وعلي العبد الله والنائب السابق رياض سيف وباقي زملائهم هم عملاء لتلك الإدارة الأميركية أو غيرها؟ وهم أعلام في الثقافة والمواقف الوطنية، وأنهم بنشاطهم ونداءاتهم السلمية للإصلاح والتغيير من داخل سورية تحديدا، قد نالوا من هيبة الدولة وأضعفوا الشعور القومي وأوهنوا الأمة إلخ…، على ما تقول لائحة الاتهام التي وجهت لهم، وهي اللائحة المعتادة منذ انتكاس النظام السوري على وعود خطاب القسم، وبدء محاكمات ربيع دمشق وإعلان بيروت/دمشق!، وستنضم إليها غالبا محاكمات إعلان دمشق المتوقعة!

إلى ذلك، استندت الإدارة الأميركية في إجراءاتها الأخيرة، ولأول مرة، إلى فساد مسؤولين سوريين وشركائهم استفادوا من فساد في المال العام، فمن ينكر ذلك حقا في سورية؟ وماذا ينفع رد مصادر سورية بالحديث عن فساد الإدارة الأميركية وسرقتها دولا بأكملها («إدارة بوش لا تبارى ولا تضاهى بفسادها وإفسادها، مقارنة مع أية حكومة من حكومات العالم») (السفير15/2/08) على طريقة واحدة بواحدة والبادئ أظلم؟ ألا تستحق مسألة الفساد هذه أن تسحب من أيدي تلك الإدارة الأميركية الملعونة (أو الذكية بحسب مدلول شامي محلي على الرغم من شيوع العكس) وأن يعاد طرحها على بساط وطني داخلي ولمصلحة سورية والنظام السوري نفسه، إن كان راغبا بعد في إصلاح، كثيرا ما حفلت به مقدمات برامجه، التي تغيرت لاحقا أولوياتها تحت وطأة الضجيج المستمر عن الضغوط الخارجية وصراعات المنطقة؟

وبغض النظر عن أي تغيير آخر تستهدفه أو تتذرع به الإدارة الأميركية في سياسة سورية الخارجية، سواء في مجال تسهيل حل الأزمة اللبنانية أو في مجال منع تسرب المقاتلين المزعومين إلى العراق أو دعمهم، وهما مجالان سبق لسورية الدخول في تفاوض حولهما، وقدمت دلائل وإشارات عديدة على التعاون والنوايا الطيبة فيهما، أقله في المجال العراقي، فإن قضايا حقوق الإنسان والفساد قضايا داخلية، ولأنها كذلك وتقع تحت مظلة مبدأ السيادة الوطنية، يمكن لسياسة رشيدة وحدها أن تفسح المجال لمعالجتها بقرارها المستقل والخاص، في وقت تبدو فيه سورية بحاجة لمراجعة أوضاعها الداخلية، والاستفادة من طاقات جميع أبنائها، من أجل تمكين لطاقاتها وقدراتها، طالما أعلنت وباستمرار أنها أشد ما تكون حاجة إليه، خصوصا في هذه المرحلة، من تحديات المواجهة الخارجية ومتطلبات التنمية الداخلية.

وعبر ذلك يمكن القول بإمكانية رد فعّال على الابتزاز السياسي الأميركي، وهو ما يشير إلى عزم على مواجهة صريحة للحاجات الداخلية، تسد الذرائع، وتنشغل وطنيا بالحوار حول قضايا الداخل وتفكيكها عن قضايا الخارج، التي كان شيطان التخوين وما زال كامنا في تفاصيلها.

*كاتب سوري.

الحياة

18/03/08

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى