من أشعل النيران يطفئها !
سمر يزبك
لا احتلال العراق، ولا طوفان أندونيسيا، ولا مسلسلات رمضان حظيت بنسبة المشاهدة التي حققتها الحملة الانتخابية الأميركية حتى فوز باراك أوباما.
هو الحدث الأهم إعلامياً خلال عقود ربما، وحتى الأحداث السياسية المشابهة، مثل انهيار الاتحاد السوفياتي، وانهيار سور برلين وانتخاب مانديلا في جنوب أفريقيا، هذه الأحداث قد يفوق كل منها الأثر الإنساني الذي سيحققه فوز أوباما، لكن هذا لا يقلل من تاريخية الحدث، ومن أن الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) 2008 سيكتب في تاريخ أميركا.
بالنسبة الينا نحن العرب كانت مبررات المتابعة العالية كثيرة، تتجاوز فكرة تعلق مستقبل العالم بمستقبل الإمبراطورية الأميركية التي بدأت في الأفول أثناء الحملة الانتخابية بسبب الأزمة المالية… كما تتجاوز الإثارة التي يصنعها الأميركيون، والتي أصبحت سمة في الحملات الانتخابية، التي تقوم في أساسها على التخطيط الجيد للصورة، كما لو كانت مسابقة لإنتاج فيلم على مرأى من الجمهور بين المرشحين.
المشاهدة العربية صنعتها فوق كل هذا التمنيات بوجود شفافية سياسية مماثلة عندنا، وأحلام بأن أوباما سيكون أكثر عدالة وإنسانية في تعامله مع قضايا المنطقة، على رغم الإشارات التي أعطاها، خلال زيارته لإسرائيل وتأكيده أولوية ضمان أمنها واختياره جوزيف بايدن الأقرب إلى المحافظين نائباً له.
كل هذا لم يكن مهماً عند المشاهد العربي الذي وجد قنواته جاهزة لتلبية كل شغفه بالمعركة، تغطيها على مدار الساعة، وكانت فروق التوقيت بين الولايات الأميركية المختلفة سبباً لتقديم الجديد كل لحظة، فليست هناك أوقات للإعادة والزيادة!
ولعل هذا السبب الجغرافي كان سبباً في رشاقة القنوات الإخبارية، وبخاصة «العربية» و «الجزيرة»، إذ تحلى مراسلوهما ومذيعوهما في الاستوديوات ببسالة المحاربين.
كادت هذه الانتخابات أن تفتن الشباب والمراهقين الذين لم يكونوا أكثرية بين جمهور القنوات الإخبارية، فقد جعل فوز أوباما الحلم الأميركي الذي يتحدثون عنه رهن التحقيق، والمقارنة واردة بالطبع بين أحوالهم وحال الرئيس المنتخب ابن المهاجر الكيني المسلم.
ولكن يبدو أن أوباما الذي أشعل حماسة الفضائيات وجمهورها الجديد، هو الذي قرر أن يطفئها، على قول نزار قباني في قصيدته الجميلة. ولكنه إطفاء بطريقة مختلفة عن تلك التي تتحدث عنها أغنية نزار. هو قرر أن يطفئ الحماسة العربية بالإحباط، من خلال قرار تعيين رام إيمانويل اليهودي الآتي من إسرائيل كبيراً لموظفي البيت الأبيض، أي أنه هو الذي سيشرف على انتقال السلطة وسيطلع على الأسرار ربما قبل أوباما!
هذا القرار نبه العرب إلى ما غفلوه في غمرة الإثارة، وهو أن السياسة الأميركية تحكمها مؤسسات، وهذا يضع حدوداً لحركة الرئيس، وسواء كان قرار أوباما محكوماً بتوجهاته الشخصية أم بلعبة التوازنات الدقيقة، أصبح واضحاً أنه ليس الفارس الذي جاء لإقرار العدل. وأن هذه الصورة التلفزيونية هي بعض من تخيلنا، ليس إلا، ما سيعجل بانتهاء موسم الولع بأوباما فضائياً.
“الحياة”