صفحات العالم

حظ مصري عاثر

ساطع نور الدين
لم يكن النبأ سارا أبدا بالنسبة إلى لبنان، أن تعلن القاهرة عن تأجيل مؤتمر الحوار الوطني الفلسطيني الذي كان مقرراً ان تستضيفه اليوم، بعدما أعدت له العدة، وكادت تحوله إلى قمة عربية مصغرة، تحتفل بإطلاق مسيرة المصالحة الفلسطينية وتحدد آليات لمراقبتها ومحاسبة المعرقلين لها.
شعور القاهرة بالخيبة لا شك فيه. وهو يمس دورها العربي وجزءا من أمنها القومي، وبعضا من الرصيد الداخلي لمؤسستها الأمنية والسياسية الحاكمة، بقدر ما يعطي الضوء الأخضر لواحد من أعنف أشكال الصراع الداخلي الفلسطيني، الذي لم يعد يخضع من الآن فصاعدا لأي ضوابط سياسية أو أخلاقية، وبات مفتوحا على احتمال الانقلاب الجذري على مستوى السلطة والشارع، وفي الداخل الفلسطيني كما في الشتات.
كانت مصر هي العنصر الوحيد والأخير الذي يمكن أن يساهم في حصر الصراع الفلسطيني في الإطار السياسي ويمنع ترديه إلى حرب شوارع أو إلى حرب أهلية شاملة، ويؤجل إقدام حركة حماس على الاستيلاء على سلطة كانت تجاهد من أجل الحصول على الاعتراف بها كشريك فلسطيني في المفاوضات مع إسرائيل، لكنها صارت تكافح من اجل المحافظة على وجودها واستمرارها.
وهي بهذا المعنى نكسة كبرى لمشروع إنتاج وتأهيل ذلك المفاوض الفلسطيني الذي يفترض أن يستكمل ما بدأه، مهما كان متواضعا وبسيطا، لا أن يعود مع حركة حماس وحلفائها ورعاتها الإقليميين إلى مرحلة ما قبل الاعتراف بدولة إسرائيل، والوقوع في ذلك الفخ الذي نصب لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية على مدى أكثر من ثلاثين عاما، وكانت كلفته الفلسطينية باهظة جدا.
وهي نكسة اكبر لمشروع إعادة تشكيل السلطة الفلسطينية، وتحديد مواعيد ملزمة ومتفق عليها للانتخابات النيابية والرئاسية، التي تدنو آجالها وتقترب معها فرص اللجوء إلى القوة في الضفة الغربية وقطاع غزة لحسم تلك الخلافات الدستورية التي تثير الرعب.. كما تثير على الأرجح سخرية الإسرائيليين وتخفف عنهم وطأة أزماتهم السياسية الداخلية.
قرار إفشال مؤتمر القاهرة، لم تتخذه حماس وحدها ولا التنظيمات الفلسطينية المتحالفة معها.. ثمة إشارات إلى أن الخلافات العربية العربية والعربية الإيرانية آخذة في التصاعد في هذه المرحلة الانتقالية التي يبدو أن خصوم أميركا يعتبرونها مناسبة لسد مناطق الفراغ، او لتعديل موازين القوى الإقليمية، ومواجهة الإدارة الأميركية الجديدة والحكومة الإسرائيلية المقبلة بوقائع مختلفة تستدعي شروطا جديدة للتفاوض.
وهذا عامل إضافي يزيد من خطورة إضاعة مثل هذه الفرصة المهمة التي كان يمثلها مؤتمر القاهرة لترتيب الأوضاع الداخلية الفلسطينية، وإنذار حاسم إلى بقية مناطق الفراغ الإقليمية، وعلى رأسها لبنان، الذي كان على الدوام صورة مصغرة عن فلسطين، تنطبق عليه الصراعات والخلافات والحوارات والمصالحات نفسها.. لا سيما في مرحلة الاستعداد اللبناني والفلسطيني للانتخابات، وفي مرحلة التسليم بأن الوسيط المصري لن يكون حظه اللبناني أفضل من حظه الفلسطيني العاثر.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى