موقف سعودي – إيراني واحد… وأهداف مختلفة
سركيس نعوم
لم تعترض المملكة العربية السعودية على لقاء المصالحة الذي عقد اخيراً بين حليفها زعيم تيار “المستقبل” النائب سعد الحريري والسيد حسن نصرالله الامين العام لـ”حزب الله”، “ابن” الجمهورية الاسلامية الايرانية وحليف سوريا بشار الاسد. ولم يحاول قادتها الكبار، وفي مقدمهم الملك عبدالله بن عبد العزيز، ثنيه (اي الحريري) عن اللقاء انطلاقاً من مواقف ثلاثة ثابتة عندها، على حد قول قريبين منها. اولها، حرصها على تجنّب التدخّل في الشأن اللبناني وعلى اقناع الجهات العربية والاقليمية والدولية بعدم التدخل فيه. وثانيها، معرفتها بدقة الاوضاع في لبنان وحساسيتها وخصوصاً بعد استشراء المذهبية داخل الصف الاسلامي وتحوّلها خطراً كبيراً يهدّد وحدة الصف والبلد والدولة فضلاً عن الاستقرار وحياة الناس الآمنين. اما ثالثها، فهو معرفتها ان الحريري يعطي الإستقرار في بلاده الأولوية على اي اعتبار آخر ويتمتع باستقلالية تمكّنه من اتخاذ القرارات الملائمة في الاوقات المناسبة، علماً ان هذا هو دوره الاساسي كزعيم لبناني. لكن المملكة العربية السعودية، ودائماً استنادا الى القريبين منها انفسهم، لا تأمل في تمخض لقاء المصالحة المذكور اعلاه والمصالحات الأخرى التي جرت في لبنان والمصالحات التي يسعى كثيرون الى اتمامها عن نتائج ايجابية عملية، اي قابلة للتطبيق، وتالياً لالغاء لبنان الساحة وعودة شعوبه – الادوات الى الولاء للبنان الوطن رغم تنوّع انتماءاتها الطائفية والمذهبية والسياسية. كما أنها (اي المملكة) لا تأمل في ان تتوصل “هيئة الحوار الوطني” الى حلول للقضايا – المشكلات التي تعترض اللبنانيين وتقسّمهم، رغم ايمانها بان الحوار هو الوسيلة الوحيدة لايجاد الحلول وليس الاقتتال والتشرذم والتناحر.
واسباب ذلك كثيرة ومعروفة، منها عدم نضج الواقعين العربي – الاقليمي والدولي للحلول نظرا الى استمرار المواجهة الشرسة بين الاطراف الأساسيين داخل كل منهما. فضلاً عن انها لا تؤمن كثيراً بنظرية “تنظيم الاختلاف او الاختلافات” التي برّر بها مؤيدو المصالحات اجراءها. ذلك ان المطلوب ليس تنظيم الاختلاف، وهو امر قامت به سوريا على افضل ما يكون خلال وصايتها المباركة دولياً وعربــــياً (وسعـــــودياً كذلك) على لبنان من 1990 حتى 2005 وأدى الى الاخطار التي يعرفها الجميع ويرونها، بل ازالة هذا الاختلاف بعد البحث الجدي فيها اسباباً وظروفاً ونتائج.
هل المملكة العربية السعودية هي الوحيدة في موقفها الفعلي غير “المتفائل” في المصالحات و”الحوار”؟
الامر المفاجىء الذي تكشفه معلومات قريبين من الجمهورية الاسلامية في بيروت هو ان لهذه موقفاً من الأمرين لا يختلف كثيراً عن الموقف السعودي ولا سيما لعدم جدوى تنظيم الاختلاف والحوار، علماً ان الدولتين “الشقيقتين” جغرافياً ودينياً وليس مذهبياً لا تقللان دور الحوار والمصالحات في تنفيس احتقان اللبنانيين على تنوّعهم وتناقضهم، وان على نحو سطحي جداً. اما اسباب الموقف الايراني هذا فمعروفة ومنها استمرار المواجهة بين طهران واميركا وحلفائها من العرب في كل المنطقة ومنها لبنان، وتالياً استمرار حاجتها (اي طهران) اليه في حال انتهت فترة الانتظار (بعد تسلم باراك اوباما الرئاسة في بلاده) للضغط على واشنطن وحلفائها الشرق الاوسطيين سواء بغية التوصل الى تسوية معها او مواجهة الحرب معها في حال تعذر التسوية.
الا ان من ابرز الاسباب غير المعلنة للموقف الايراني المتماثل مع الموقف السعودي من الحوار والمصالحات في لبنان فهو كون الرياض وطهران في مواجهة حادة وقاسية، وإن غير مباشرة على الاقل حتى الآن، وكون لبنان ساحة لها. فالمسؤولون الايرانيون لا يواجهون السعودية لاسباب مذهبية على ما يقول القريبون من طهران انفسهم او لاسباب قومية (الفرس في مقابل العرب) بل لسبب آخر له علاقة بالتشدد الديني، فهم يعتبرون الوهابية التي يفترض انها ليست مذهباً، عقيدة سعودية منتشرة في الخليج وفي الدول الاسلامية غير العربية المجاورة لها وذلك يهددها مباشرة كونه يكفّر اهلها بسبب مذهبهم الديني.
كما انه يهدد شيعة لبنان وربما غيرهم للسبب نفسه. انطلاقاً من ذلك تصرّ طهران على العمل لترتيب وضع لبناني بطريقة سلمية او غير سلمية تخدم مصالحها ومصالح حلفاء لبنانيين لها، وتصرّ الرياض على القيام بالأمر نفسه.
ماذا يعني ذلك؟
يعني ان لبنان لا يزال على ابواب الجحيم بعدما نزل درجات عدة على سلمه في السنتين الاخيرتين، وهذا ما يحاول رئيس جمهوريته العماد ميشال سليمان معالجته في اتصالاته مع قادة العرب والمنطقة والعالم. وهذا ما يحاول القيام به ايضاً رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في زياراته الخارجية رغم طابعها التنافسي مع زيارات رئيس الدولة للخارج الذي قد يكون مقصوداً.
وهذا ما قام به أخيراً في روسيا زعيم “المستقبل” سعد الحريري إذ حرص على مطالبة مستقبليه بحماية لبنان من أي اعتداء في الوقت الضائع من اشقاء وأعداء. ويُقال إنه لقي تجاوباً.
النهار