معنى الزمن الفلسطيني
حسام عيتاني
تلقى معسكرا الاعتدال والمقاومة الفلسطينيان رسالتين إسرائيليتين مهمتين أمس: الأولى من زعيم تكتل الليكود بنيامين نتنياهو معلنا عزمه وقف المفاوضات الجارية في إطار مؤتمر انابوليس والثانية من رئيس الوزراء إيهود اولمرت الذي اعتبر أن المواجهة العسكرية مع »حماس« في غزة مسألة وقت.
بعد سبعة عشر عاما من بدء المفاوضات في مدريد وواشنطن وبعد خمسة عشر عاما على التوقيع على إعلان المبادئ في أوسلو، ما زال من السابق لأوانه، بحسب نتنياهو، التفاوض مع الفلسطينيين بشأن اتفاق سلام نهائي في حين أن البحث في مستقبل القدس المحتلة غير وارد أصلا، ما يدفع نتنياهو، المزايد في التصلب، الى وقف العملية السياسية المنبثقة عن مؤتمر انابوليس في حال فوزه في الانتخابات الاسرائيلية في شباط المقبل. هذا مضمون الرسالة الى معسكر الاعتدال الفلسطيني.
أما الرسالة الموجهة إلى معسكر المقاومة، فتداني سابقتها في عبثيتها، إذ يؤكد اولمرت أن ليس لديه »أدنى شك« في ان الوضع القائم في غزة سينتهي إلى مواجهة بين الجيش الإسرائيلي و»حماس« الممسكة بالقطاع. ويدعو رئيس الوزراء قواته إلى الاستـعداد لذلـك، فـي موقـف يكـاد يكون تقليديـا عـند جميــع المسؤولين السياسيين الإسرائيليين منذ العام ١٩٤٨ بل منذ ما قبله.
لا يحتاج تأويل الرسالتين الى جهد كبير. فالمستقبل مقفل في وجه السلام عبر المفاوضات، بحسب نتنياهو. ولا يحمل سوى الدمار والموت إذا أصر الفلسطينيون على المقاومة، بحسب اولمرت. واذا وضعت الرسالتان في سياق الإعداد للانتخابات التشريعية، لأمكن الاعتقاد أن ما ستتبناه الحكومة الاسرائيلية المقبلة لن يخرج عن هذين الحدين، وذلك سواء كانت برئاسة نتنياهو او جلست حليفة اولمرت وخليفته في زعامة حزب كاديما، تسيبي ليفني، في مقعد القيادة.
والحال أن من له اليد العليا في موازين القوى هو من يفرض الطريقة التي تدار بها لعبة الحرب والسلم. فلا معنى للإصرار على مفاوضات لا يرغب الطرف الثاني فيها. وقد كرر المسؤولون الإسرائيليون، الى حدود الإسفاف والابتذال، العبارة القائلة ان رقصة التانغو تحتاج الى راقصيْن وذلك عندما اعتقدوا أنهم قادرون على الاخذ في المفاوضات ما عجزوا عن أخذه في القتال.
النظر في الجهة المقابلة من المشهد قد يبرر لغة الاستعلاء والصلف الإسرائيلية. ففي الذكرى الرابعة لرحيل الرئيس ياسر عرفات وبعد ثلاثة أيام من إرجاء جلسات الحوار الوطني الذي كان من المقرر عقده في القاهرة، تمكن قراءة التشخيص التالي للوضع بحسب مواقف قادة السلطة و»حماس«: لا يعدو العمل من اجل مواصلة الكفاح المسلح عن كونه تنفيذا »لأجندات إقليمية« تستدعي تعطيل الحوار الوطني (راجع كلمة الرئيس محمود عباس في المقاطعة امس والذي تعهد فيها بعودة »قريبة جدا« الى غزة!)، في حين ان المفاوضات مع اسرائيل ليست أكثر من إعلان »الارتماء في أحضان المحتل الصهيوني« (وفق ما قال المتحدث باسم »حماس« فوزي برهومي الذي تذكر إرث ياسر عرفات!).
ليس من المبالغة في القول أن أي مسؤول إسرائيلي يقرأ المواقف الفلسطينية ويتخذ موقفا أكثر ميلا الى التهدئة والسلام مع الفلسطينيين مما اتخذ نتنياهو واولمرت، سيتهم من قبل مواطنيه بالانهزامية وبالتفريط في المصالح الإسرائيلية. فلا مكان في عالم الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي للتراجع فيما العدو مشتت ومنقسم وضعيف على النحو الذي يبدو عليه الوضع الفلسطيني.
لقد جاء التصلب والتهديد الإسرائيليان كرد ملائم تماما لدرجة التصدع الفلسطيني والعجز، بعد عامين ونيف على فوز »حماس« في الانتخابات التشريعية الفلسطينية وبعد العديد من جولات الحوار واللقاءات في القاهرة ومكة وصنعاء ودمشق وغيرها، عن الخروج ببرنامج يحافظ على الحد الادنى من الوحدة الوطنية الكفيلة بأن تسمح للشعب الفلسطيني بصياغة مصالحه ورؤيته للسلام على مائدة المفاوضات مع الاسرائيليين او بالانصراف الى النضال الميداني سواء بالعمل المسلح او غيره من اشكال المواجهة المباشرة مع الاحتلال.
ومن العبث الخالص اللجوء في الظروف هذه الى ملهاة تبادل تحميل المسؤولية بين »الاخوة« على الساحة الفلسطينية. لكن مما يستدعي الاهتمام ذلك الاحساس بانعدام تقدم الزمن عند الكثير من الفلسطينيين على الرغم من انهم اول من يرى المستوطنات وقد تضخمت الى ابعاد هائلة والطرقات الالتفافية وقد حاصرت المدن والقرى في الضفة الغربية وجدار الفصل العنصري وهو يتلوى بين التلال قاطعا سبل التواصل بين الناس وارضهم.
السؤال الذي يظهر بقوة هنا هو عن معنى الزمن بالنسبة الى الفلسطينيين اذا كان ما سبق لا يشكل لهم الدافع اللازم للتعجيل في حسم صراعاتهم.
السفير