صفحات مختارة

في أهمية تحديد التناقضات السياسية في سورية – قضايا للحوار

هيئة تحرير نشرة الآن – العدد 53-54
مقدمة:
تنبع أهمية المعالجة النظرية والعملية ، في تحديد هوية  التناقضات السياسية في بنية اجتماعية محددة ، ما يترتب عليها من تقرير طبيعة التحول السياسي القادم وطبيعة القوى الفاعلة في هذا التحول وما ينبني عليه من  تحالفات عملية قادرة على توجيه صيرورة العمل السياسي وفق أهدافها البرنامجية المعلنة ، وتحريرها من عطالتها الخاصة ، وقوى الإعاقة التي تواجهها داخلياً وخارجياً  وبناء الأدوات التنظيمية  المناسبة لها ، ومادام الأمر كذلك فإن تحديد تناقضات البنية الاجتماعية السورية  في سياق سياسي دولي  و إقليمي يلزم قوى التغيير بضرورة رسم مؤشرات الصيرورة السياسية واتجاه حركتها ، وطبيعة  القوى الفاعلة ذات المصلحة الحقيقية في التغيير والقوى المناوئة لها ، وصياغة المهام التي تراكم لتحقيق الأهداف المنوط تحقيقها .
خبرات ودروس :
والخبرة السياسية  السورية القريبة العهد تحيطنا بالعديد من الدروس بضرورة تجاوز  سوء وعي تقدير اللحظة التاريخية من جهة ،وفهم طبيعة التعارضات التي تحكم هذا السياق أو ذاك و ما ينبني عليها ذلك   في استقرار قوة أو ضعف العدو السياسي الطبقي والوطني ، وهذا
ما أبرزته على الأقل  حقيقة المواقف في لحظتين سياسيتين هامتين من
تاريخ البلد ، الأولى خلال أزمة  الثمانين وصراع القوى الإسلامية في سورية مع النظام ، والثانية بُعيد الانسحاب السوري من لبنان اثر اغتيال الحريري .
لا يتعلق الأمر بالطبع في عرض تلك التباينات بين  القوى الاجتماعية والسياسية السورية واتجاهات استقطابها ، بقدر لفت النظر الى التباين في قراءة التناقضات ومستوياتها ، وتحديد الأولويات  ، المسألة عدا عن كونها تعدد رؤى مشروعة وموضوعية فإنها  مسألة مصالح قوى اجتماعية  مادية على الأرض مهما تلطت خلف حجب الايديولوجيا ، أو الأوهام الراسخة التي غالباً ما تتحول الى قوى مادية ما تزال تسيطر على الحقل الثقافي والسياسي، بدرجات متفاوتة ، وفي كل الأحوال لاتدعي مساهمتنا تلك انها تحتكر الرؤية الكلية لطبيعة التناقضات ، وفهم مجالات صراعاتها ووجهتها بل هي دعوة صادقة للتفكير المشترك البعيد عن الحساسيات السائدة ، للتفكر والامعان في تقرير مصائر مرحلة من اشد المراحل خطورة في تاريخ سورية وشعبها ، والبحث عن مشتركات برنامج وطني ديموقراطي مُوحَد ومُوحِد .
إن فهمنا السياسي ينطلق من أن شروط ولادة وتطور البنية الاجتماعية السورية قد جاء على قاعدة الارتباط الوثيق والبنيوي بمراكز القرار الاقتصادي والسياسي الامبريالي واستطاع توليد واعادة انتاج بنى سياسية واجتماعية  غير قادرة على انتاج تطورها المستقل  والسير في آفاق التقدم الاقتصادي الرحب ، ولعل اعادة موضعة شروط الصراعات السياسية في قلب تلك العملية التاريخية هو مايشكل الفهم والممارسة المفتاحية في قراءة طبيعة  تلك الصراعات ويخفض  بالتالي من اقتصاد اوهامنا وخطل تصوراتنا التي تنطلق من تفكير رغبوي وارادوي ، وعندما نشير الى المرحلتين السياسيتين المشار اليهما أعلاه فهي تؤكد على مدى استمرار رسوخ أنماط وعينا واستمرار غياب الرؤية النقدية  لمناهج تفكيرنا واشتقاقاتها السياسية ، ومادام الأمر كذلك فإننا نؤكد  على  أهمية توزيع التناقضات المشار اليها على قاعدة شروط التبعية الراهنة والتاريخية ، وفق مستويات التحديد الذي ينطلق من التمييز بين التناقض الأساسي ، والتناقض الرئيسي ، والتناقضات الثانوية وبهذا التمييز فإننا لانزال نؤمن أن التناقض الأساسي هو مع الإمبريالية ، الذي يقرر محتوى وشكل التناقضات الأخرى وهذا التناقض ليس تناقضاً لفظياً واعلامياً وتعبوياً – على اهميته بل إنه غالباً ماينظم سير التناقض الرئيسي بما هو التناقض مع البورجوازية الداخلية بقواها المهيمنة والمسيطرة على حد سواء ويقرر أيضاً عملية الصراعات الداخلية فيما بينهما ، واختلاف إدارة الصراع في متونها ، وبالعودة قليلاً الى مرحلة بداية  الثمانينات حيث  القوتان الضاربتان في الصراع  : السلطة والإخوان المسلمين لم يكونا يخوضان صراعهما في سياق معزول  ومستقل عن البيئة الدولية والإقليمية السائدة بل بالإرتباط الوثيق فيها وكانا   آنذاك  يمتلكان  من  أسباب القوة والتحالفات الإقليمية ، مايؤهلهما لخوض حرب مديدة في ظل رهانات اقليمية ودولية متعارضة ومع أنهما لم يكونا  على درجة من التكافؤ والاستقطاب الجماهيري لديهما ، ومع كل عوامل الإسناد العسكري والمالي واللوجستي التي وفرتها أنظمة الأردن والعراق ، والسعودية لم يستطع الأخوان المسلمون تعديل ميزان القوى لصالحهم ولم يكن الأمر يتعلق
على أهميته بالقاعدة الشعبية للقوى المتصارعة  وحجومها بقدر ما انبنى حسم الصراع لصالح  السلطة البورجوازية البيروقراطية الحاكمة على  استثماره الحاذق لصراعات الثنائية القطبية آنذاك  ، بالإضافة  الى استمالة النظام لقوى المال والاقتصاد في دمشق أولاً من خلال غرفة تجارتها وصناعتها وغرف التجارة والصناعة في بقية المدن الرئيسة – بما فيها حلب – وجنباً الى جنب في استخدام القوة  العسكرية الضاربة آنذاك فإن الإسناد الإجتماعي الداخلي للنظام ، تغلب على الإسناد الإقليمي الداعم للحركة الإسلامية ، وبلغة ماركسية استنفر النظام حلفه البورجوازي المسيطر بالإغراء والترهيب  في حربه ضد قوى تنتهي مصالحها في نهاية المطاف  في خدمة البورجوازية لكنها تفتقر لحلف طبقي بورجوازي داخلي يستطيع أن يضع النظام في الخانة الحرجة ، لكن غياب مثل هكذا تحالف ، اضعف الأخوان المسلمين وبدد قواهم وفي ضعف وجود سياسة مسئولة ووطنية وحريصة فقد قاد اختلال ميزان القوى نحو الإنتحار السياسي  للحركة الإسلامية ، معززاً بكل صنوف القمع الوحشي الذي اتبعه النظام بحق الحركة وقواها الاجتماعية  ، وفي أتون تلك اللحظة السياسية كانت الرهانات السياسية تتصدر أجندات القوى الوطنية المعارضة باتجاهات متضاربة ، ومع أن تلك اللحظة قد أفضت لولادة تحالف وطني – ديمقراطي معارض  عبر عن نفسه بالتجمع الوطني الديمقراطي ، فقد سيطر وهم سياسي مفاده أن السلطة قاب قوسين أو أدنى من السقوط ، ودلل صمت العديد من القوى على ممارسات الأخوان الطائفية والرجعية على صدى تكتيك سياسي مفاده أن  وجود أداة سياسية مجهزة بدعم وإسناد إقليمي عربي من شأنها إزاحة النظام بالوكالة عنهم وعن حلفهم العربي ما يساعد على فتح صيرورة سياسية جديدة ، بعيدا عن تفحص  برامج القوى البديلة ، ورد فعل النظام القمعي في سياق ضعف العامل الاجتماعي الذاتي، حيث كان النظام لا يزال على صلات وثيقة بالطبقة الوسطى السورية والبورجوازية الصغيرة خصوصاً عدا هيمنته السياسية على الطبقة العاملة والفلاحية في الريف ، أي أن التمايزات الطبقية لم تكن على مستوى من النضج الذي يتيح فتح ثغرة في الجدار السلطوي الحاكم باتجاه انهياره ومع كل مصاعب بناء التيار الثالث تيار قوى الشعب  آنذاك ، فقد بدا حلاً نظرياً أكثر منه واقعياً في ظل الاستقطاب السياسي الناشئ وكان يحتاج للحيز الزمني الكافي من جهة وللإمكانات المتحدة لقوانا الديمقراطية  في تنمية مثل ذلك التيار .
بطبيعة الحال ليست مهمة هذا المقال ، التنويه بما كان يجب على القوى المعارضة إتباعه ، بل للإشارة إلى سوء ومضاعفات قراءة اللحظة السياسية  بوعي تفكير رغبوي مثالي ، وانتظار نتائج المعركة خلف رابية الأحداث الدامية ومراجعتنا تلك  لا علاقة لها  باحتمالية أن يخفف النظام من ضرباته القمعية ضد قوانا الوطنية آنذاك ويجنبنا مصائر السجون والتصفيات التنظيمية ، بقدر ما يتعلق الأمربنقد  نواة التفكير السياسي القائم على هذا النمط من قراءة التناقضات السياسية  في ظل سوء قراءة لوحة تحالفات النظام الداخلية ، خصوصاً مع البورجوازية التقليدية التي كانت تنأى عن الحركة الإسلامية المسلحة وخلق أجواء متناغمة مع النظام مايساعد على توثيق الصلات بالسوق العالمية ، ويساعد على تذليل العقبات والموانع البيروقراطية نحو آفاق انفتاحية في شرطيها السياسي والاقتصادي
وتدوير زوايا معارضة النظام للامبرياليةوللنظام الإقليمي السائد آنذاك والذي كانت السعودية تقوده بجدارة وتوافق تام مع المصالح الأمريكية والرأسماليات العالمية .  والتعارضات التي كانت تتنامى مع الولايات المتحدة وشركاءها  لم تصل حينذاك الى مرحلة كسر عظم بسبب جدار استناده الدولي الذي حققه مع السوفييت من جهة  وبسبب خلق  شبكة مصالح وحماية استراتيجية سياسية و غير سياسية مكنته من الإمساك بزمام المبادرة وتجريد خصومه من عوامل القوة  من جهة أخرى ، وكان من المناسب قراءة ذلك التحول الداخلي  الذي بدت ملامحه سنة ال81 لاشتقاق الموقف والممارسة  السياسية ، وتبيان اتجاه موازين القوى حيث تبين لاحقاً قدرة النظام على استعادة قواه وتأمين هيمنته المديدة .
لحظة مابعد اعلان دمشق :
لانضيف جديداً في أن اسلوب تفكيرنا الرغبي ظل مسيطراً خصوصاً لحظة صدور الوثيقة التأسيسية لاعلان دمشق وعكس نفسه في ثنايا الوثيقة وكأن النظام في  – سياق تعارضه – مع المشروع الامبريالي قاب قوسين أو أدنى  من السقوط ، لكن الأهم في رأينا هو غياب المشروع الامبريالي عن الوثيقة ولايشار إليه إلا بصفة مخاطر خارجية عمومية قد توازي تركيا وإيران مع الولايات المتحدة واسرائيل، في منسوب وشدة المخاطر  وتلك الرؤية  المنضدة للصراعات ، يغيب عن ادراكها بغض النظر عن الموقع العقيدي والسياسي لها – حتى لو كان الموقع ليبرالياً – المرامي الحقيقية  للمشروع الامبريالي على سورية والمنطقة عموماً ، باتجاه تكريس واقع تبعية شاملة ومباشرة سوف تعيق تحقيق أي مشروع وطني تحت أي مسمى أو عنوان سياسي ، واعادة انتاج أنظمة تسلطية ومافيوزية باشراف امريكي مباشر في آلية تغيير افتراضية بحيث لايتغير شيء في الواقع .. إن اعادة انتاج حاضرنا السياسي الشقي ، هو في  مأساة النظر الى المشروع الأمريكي كمُخلص ، ومُحرر ، تماماً كما جرى الامر في العراق ، الا يبدو العراق  الأمريكي اليوم  يئن من جديد في مملكة الصمت والخوف كما كان الأمر في عهد الديكتاتور الراحل صدام حسين
حزب العمل الشيوعي في سورية
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى