لماذا لا يكون الزواج ممكناً بين الطوائف في سوريا؟
1/2
هوازن خدّاج وعمّار ديّوب
يلتقي أبناء الأديان والمذاهب المختلفة في كلّ مكان، فهم جيران، أصدقاء، زملاء عمل أو دراسة.. في أجواء كهذه لا يمكن تجنّب حدوث حالات الحبّ بين مختلفي الدّين، وهذا أمر طبيعيّ ووارد لأنّ الحبّ لا يعرف دينا ولا مذهبا، والعلاقة مع الله تبقى علاقة شخصية وليست عامة، لكنّ المقدمين على هذا الزّواج يصطدمون بعوائق قانونية واجتماعية واقتصادية كثيرة لها أثارها عليهم وعلى الأولاد، لقد وضعنا مجموعة من الأسئلة- لإلقاء الضوء على هذه الحالات كأمر واقع يجب معالجته- الجزء الأول من الأسئلة: يتمحور حول الأسباب الاجتماعية لرفضه التي تصل إلى حدّ قتل النساء المقدمات عليه، والصعوبات التي تواجه هذا الزواج وأسباب فشل كثير من العلاقات، وهل ت/يقبل زواج أبنائهم من مذاهب مختلفة، وكيف يتمّ التعامل مع أسئلة الأولاد بخصوص الدّين.. كانت لدينا مجموعة من الإجابات الهامّة لأشخاص مختلفين دينياً وعمرياً،وفي عدد أولادهم، وتجربتهم.
الذكور ليسوا رجالا
السيد “ب” وزوجته السيّدة”إ” يعتقدان أنّ الصّعوبات التي يواجهها هذا النوع من الزواج تأتي بسبب حدّة الاستنكار الاجتماعيّ له، والمقاطعة الاجتماعية التي تقع على الأسرة، وأحياناً يتمّ اتّهام ذكور العائلة بأنهم”ليسوا رجالا”و”من حقّ البعض استباحة عرضهم”، ويضيفان بأننا إذا تخلصنا من العشائرية فيمكن أن نتخلص من كثير من المشكلات، فالفرد حين يخرج من طائفته يبدأ بتطوير أفكاره ويتقدّم بالنقد ويثق بذاته، ويكوّن قناعات جديدة، وتأيّدهما لهذا الزواج من أجل تحقيق إنسانية الإنسان ما دام الزوجان اختاراه، فهو يطوّر المجتمع، ولا يبقيه أصولياً، وبذلك يمكن أن نتحوّل نحو المدنية، وإذا تكاثرت هذه الزيجات سيخفّ تأثير وتدخّلات رجالات الدّين، وهو ما سيعزّز قيم المدنية وفصل الدّين عن الدولة.. أمّا العلاقات التي لا تنتهي بالزّواج فهي تقدّم صورة سيّئة عن زواجنا الجديد، وتساهم في تمسّك الرافضين له بكلّ ما هو سيّء بخصوصه،وهؤلاء كمن يقول بمبادئ معينة ويتصرّفون بعكسها وهي حالة شائعة في بلادنا، وأحيانا تلعب التربية دورا هاما في عدم نجاح العلاقة أو تكون مشاعرهم غير متبلورة، وهناك الخوف وعدم الجرأة إذ لا بدّ أن يحمل هؤلاء-كما يؤكدان- مفهوم الثورة في داخلهم حتى تنجح علاقتهم..
أما إمكانية معارضة هذا النوع للزّواج بالنسبة لأولادهم، قال السيد “ب”،إننا لا يمكن أن نعارضه، لأنه أبسط حقّ في الاختيار للبشر، وأوضحت “إ” إنها لم تشعر بمعاناة كبيرة فأسرتها التي تملك وعيا متقدّما “يساريّا” لم تتخلّ عنها، ووقفت إلى جانبها، إنما أتت المعاناة من معطيات أخرى، أوّلا: مشكلة تغيير المذهب وتقول رغم أنني لست مؤمنة إلا أنّ قانون الأحوال الشخصية يجبر الفرد على أن ينتمي لمذهب ما، ثم هناك المحاكمة الأخلاقية المجتمعية التي ترفض قطعاً هذا الزواج، بدءاً من الأهل والقاضي والمحامين، وعقّب السيد “ب” إنّ الرفض أتى من الذين مع الزواج المدنيّ أو الموافقين عليه..!! وقد لعبوا “بدهاليز القانون” لمنع هذا الزواج، وتعرّضنا للتوقيف مدّة شهر ونصف، هي بسجن النساء وأنا بسجن الرجال الذي رأيت فيه قاع مجتمعي لأوّل مرة فقد كنت فيه بين مجرمين حقيقيين، ومن يتعاطون الحبوب، وهناك اللوطيون والقتلة ومجرمو اغتصاب المحارم، وغير ذلك.. واكتشفت أنهم يدخلون ويخرجون دائماً من السجن، قد نراهم في حياتنا اليومية ولكن لا نعرفهم..!! وأنا أتساءل من يحقّ له سجنّنا لأمر لا يحقّ لأحد التدخّل فيه!! لم نخرج إلا برشوة القاضي، وادّعى القاضي بأنّ السجن من أجل حمايتنا من القتل!! ورغم قولي لمحاميّ الخاصّ أنّ الفتاة في سجن النساء أريد أن أتزوّجها،إلا أن حرباً كانت تدور بين المحاميين، فكلّ منهما “يحمل عنّا المسؤولية دون أن نطلب ذلك”.. ولم ترغب”إ”في الكلام عن تلك الفترة لشعورها بجرح كبير ألمّ بها، وبعدم فهم واستيعاب كلّ ما جرى ولماذا ؟؟!! رغم أنّ زواجهما مضى عليه أكثر من أربع سنوات ورزقا بطفل. لكنها تقول تعرّضت لمقاطعة من أحد إخوتي -رغم أنه لا يرفض هذا الزواج الذي ترفضه كلّ العائلات المحيطة بنا- رفضه بسبب دخولي السجن، ولكنه بعد قرابة عام تفهّم الأمر وأصبحت علاقتنا جيّدة. وتتذكّر قائلةً: المشكلة أنّ أسرتي وأبي أكثر من عانى، إذ تمّت المقاطعة له، حتى من أقرب المقرّبين لنا..!! وإخوتي البنات تضرّرن كثيراً خصوصا عندما تنشأ خلافات مع أزواجهن الذين يمثلون جزءا من مجتمعنا المتخلّف الذي ينظر لأسرتي “بكونها فاقدة لشرفها”، ومكانتها أقلّ من غيرها…أمّا التعامل مع الأولاد بالنسبة للديّن قال”ب” إنه من أسرة يساريّة ولم يتطرّقوا لموضوع الدّين وأكثر ما يعرفه أنهم مسلمون.وأنا لن أعلم ابني أنّ له مذهبا محدّدا وسأجيبه بأنّ الأديان كلها تنادي بالأخلاق وتسعى للخير، وهي لصالح الإنسان. الحدّ لا يقام إلا على الفقراء
السيد”ع” وزوجته “ل” قالا، لقد ألمّت بنا صعوبات كثيرة عندما طرح الموضوع أمام العائلة والمجتمع والأصدقاء، ومزحا بالقول إنّ أحسن أوقات العلاقة كانت قبل الزواج.أمّا الصعوبات فقد أتت تحت حجج كثيرة، منها الحفاظ على العائلة، وغضب الأهل، العشيرة، النبذ الاجتماعيّ، ومشكلة إلصاق تهمة العار على أهل من يقدم على هذه الخطوة. ثم إنّ لفشل هذا الزواج أثارا خطيرة جدّا على المرأة -وقد يؤدّي إلى قتلها حتى بعد سنوات من الزواج، كما حدث أكثر من مرة،” لماذا كلّ هذا الظلم”- ولكنّ خطورته أقلّ كثيراً على الرجل فقد تصالحه أسرته بعد فترة مقاطعة.. وإنّ القتل الذي يمارس على النساء هو جريمة يجب أن يحاسب عليها القانون، وليس من عذر لها إطلاقاً لأنّ الزواج يخصّ الزوجين ولا يحقّ للآخرين التدخّل بما هو شخصيّ وخاصّ، وإن عدم وصول بعض العلاقات للزواج متعلّق بتخلّف الفرد وعلى الدّين ألاّ يتدخّل فيها كي ينجح هذا الزواج. أكّد “ع” أنه، لا يعارض أبدا تزويج أولاده بأشخاص من خارج مذهبه فأنا مارست هذا الفعل، وربما يجب مساعدتهم على إزالة العقبات كي لا يعانوا ما عانينا نحن. أما السيدة “ل” فقالت: بالنسبة لابنتي، لن أوافق على زواجها خارج مذهبنا الذي فُرض علينا وفق قانون الأحوال الشخصية إلا بعد أن أعرف كلّ ما يخصّ شريكها المستقبليّ، فما عانيته لا أريد لها تكراره. وشرحا قائلين: نحن نعاني، والآخرون لا يحسّون بنا ومجتمعنا لا يزال متخلفاً ..هذا يحزّ في النفس، وأشارا أنّ الفقر مشكلة كبيرة قد تؤدّي إلى إفشال هذا الزواج. فالثريّ تحميه ملكيته ومنصبه الاجتماعيّ ولا أحد يقدم على نقده، ولم يعانِ أثرياء طائفتنا من هذا الزواج أبداً، والأغنياء لا يواجهون مشاكل رغم زواجهم من طوائف مختلفة و” الغنيّ يده فوق الكلّ” وكأنّ “القانون صُنع للفقير، ولا يقام الحدّ إلا عليه”. ويسألون من تدبّ فيه الحمية حين يتزوّج أبناء الفقراء، لماذا لا يفعل الشيء ذاته مع الأغنياء، هذا تناقض صارخ لا يمكن تفسيره ولا تقبله..!! بالنسبة لتعليم الدين للأولاد قال “ع”: أنا لا أعلّم أولادي أمور مذهبي الخاصّ بل أشيد بكلّ الأديان، كلّها لصالح البشر، وتنادي بالأخلاق والقيم. وأضاف رغم انقضاء أربعة عشر عاماً على زواجي، وأصبح لديّ أربعة أطفال، فوالداي لم يزوراني أبداً..!! وعلّل الأمر بأنه لا تزال النفوس”غير راضية ورافضة”حتى طريقة تعاملهم مع الأطفال تشعرني بالغبن جهتهم مقارنة مع أطفال إخوتي الذين تزوّجوا من نفس الطائفة. وذكر أنّ والده قد حرمه من الميراث، ولكنّه عاد بعد سنوات وأعطاه جزءا منه ولم يكن كميراث إخوته، وأسرّ لي بشيء محيّر أنّ “والدتي تسلّم على زوجتي أما أختي الكبرى فترفض ذلك”؟!!.
القتل جريمة
السيدة “س” قالت: أؤيّد هذا الزواج لأنّه جزء من حريّة الفرد في الاختيار، وهو ما قمت به حين تزوّجت، وأرفض جريمة الشرف بالمطلق.. ثم إنّ امتناع البعض عن الإقدام على هذا الزواج هو بسبب الخوف من الأسرة أو المجتمع، وكذلك من الضريبة التي ستدفع اجتماعيا وهناك الخوف على الأطفال في المستقبل. إنّ الذي يقدم على الزواج من غير مذهبه عليه أن يكون متطوّرا وواعيا لما يقوم به، والعبء الأكبر في هذا الزواج يقع على كاهل الفتاة فهي تدفع ثمن كونها فتاة وكونها خرجت عن المذهب وتمردت على سلطة الأب البطريركية.. وأضافت لن أعارض زواج أولادي إن اختاروا شركاءهم من مذهب آخر، المهمّ أن يوجد الحبّ والقناعة والتفاهم فهي فقط شروط الزواج. والمشكلات المادية أخطر ما يواجه الأفراد قبل الزواج، مع ارتفاع أسعار كلّ مستلزمات “فتح منزل للزوجية”، ذلك كون الأهل يرفضونه ولا يقدّمون أية مساعدة، وأيضاً عدم تقبّل الآخرين كالمجتمع المحيط والأهل وحتى الأصدقاء وهو ما يشعر الزوجين بالعزلة والنبذ وكذلك الخوف من الفشل وربما القتل. أما بعد مجيء الأولاد فالمشكلات تخفّ، وأولادنا يحتاجون لفترة زمنية حتى يعوا مسألة الدين ولاسيما عند مجيء الأعياد وسؤال أبناء الجيران لهم عن دينهم وهم يسألون بدورهم ماذا نحن. أما بالنسبة لمن يرفض الإنجاب بسبب هذا الزواج، فلا يستحقّه أبداً. وبالتالي يجب أن يكون الأولاد جزءا منه كما كلّ العائلات، وبذلك نجنّب كثيرا من البشر ما عانيناه ويتقدّم بلدنا بعيداً عن عقلية المذاهب والطوائف. ونحن نجيب على أسئلة أولادنا حين يسألون عن الدين بأنّه معاملة، وكلّ الأديان تسعى لخير البشر. وتلعب المدرسة هذا الدور بعجره وبجره.
الزواج المدني أو الهجرة
الآنسة” أ” قالت أنا الآن على استعداد للتضحية بنظرة المجتمع لي والزواج من ديانة أخرى إذا وجدت الشخص المناسب، ولكن للأسف سأضطر للعيش خارج وطني حتى لا أعتبر مرتدة وأقتل، هذا بسبب القانون. فلماذا لا يكون هناك زواج مدنيّ ويحافظ كلّ شخص على دينه. بالنسبة لأطفالي أتمنّى عندما أنجبهم أن لا أسجّلهم في أيّ دين حتى يكبروا ويختاروا دينهم أو معتقدهم وليختاروا من بعدها الشخص المناسب للزواج.
ازدواجية قاتلة: البنات شيء والذكور شيء آخر؟
السيد “ط” زوج السيدة “س” قال السيد “ط”: أرفض القتل بسبب هذا الزواج لأنّ هناك حلولا أخرى في الحياة فهو جريمة ولا أستطيع تخيّل أب أو أخ يمكنهما القيام بقتل ذويهم. لكن لكلّ أسرة وضعها الخاص. كما لا مشكلة من زواج الأولاد الذكور بغير طوائف وإبقاء زوجاتهم على دينهم أو طائفتهم مع إني أفضل أن يتزوّجوا داخل الدين حتى لا يشعروا بتشتّت، أما البنات فأرفض هذا الزواج لهنّ لأنّ الرجل حتى لو أشهر إسلامه من أجل الزواج لن يكون مسلما حقيقيا والرجل يؤثر في بناء الأسرة أكثر من المرأة.. أنا لا أخبر أولادي عن الدين شيئا فالمدرسة تقوم بواجبها في هذا الموضوع. أمّا زوجته فقالت: لقد تعرّضت لمقاطعة أهلي فترة من الزمن وقد أثّرت تلك الفترة في حياتي كثيرا خصوصا حين أنجبت ابني فهم لم يصالحوني إلا بعد أربع سنوات، وأنا من الأشخاص الذين يتعلّقون بالأسرة، وتُكمل لديهم أسبابهم: مثلا يخافون أن يتزوّج أخرى أو يمكن أن يطلّقني لأيّ سبب كان، وأنا فكّرت بهذا سابقا وخفت. فهو حسب تربيته واعتقاده وقانونيا يمكنه أن يتّخذ الطلاق كحلّ قبل البحث عن الحلول السلمية، لكني الآن لا أخاف من هذه الأمور فأنا أعرفه تماما، وقد اتفقنا على كثير من الأمور منها هذه، ومنها عدم عرض الصور الدينية داخل المنزل، وعدم اعتناقي دينه، ومراعاة المحيط من حيث الثياب، فنحن نعيش قريبا من أهله، وهم جيّدون في تعاملهم معي ومع أولادي، وليسوا متعصّبين إطلاقا، وبالنسبة لأولادي -الذين صاروا شبابا الآن- رغم أنهم توصّلوا للاقتناع بشكل أو بآخر إن عليهم أن يعيشوا وفق طقوسهم الدينية، إلا أنّه لا توجد لديهم مشكلة بالتعامل مع أشخاص من غير دينهم. وأنا لا مشكلة لديّ من زواجهم بغير طوائف وأتمنّى أن يكون لأولادي ولكلّ العالم حريّة الاختيار بالنسبة للديانة التي يودّون إتباعها أو البقاء على دينهم، فأنا أؤمن أنّ هناك مجالا واسعا للمعايشة دون النظر بشأن الأديان. لكن هنا الحالة القانونية هي التي تفرض تحديات كثيرة والمجتمع يزيد الأمور قسوة أحيانا على واقع الزواج. فالحبّ بعد فترة لا يبقى كما كان. فنحن نحتال على الزمن ونتطبّع بطباع بعضنا كي نستمر في زواجنا وهذا لا علاقة له بالأديان، إنها حالة الزواج بشكل عامّ، وبناء الأسرة أيّ أسرة يتطلب الكثير من التنازلات والجهد.
السيد “ع” والسيدة “د” رأى السيد ع، إن هذا الزواج له ضريبته الاجتماعية، أنا لا أشعر بوجود اختلاف كبير بيني وبينها، لكن إذا تدخل أهلها بتربية الأولاد فأنا أكون غير مرتاح وهم أحيانا ينظرون للأمور بطريقة سيئة ويسمعوننا بعض الكلمات غير المحبّبة. السيدة” د” هناك كثيرون يتساءلون عن هذا الزواج منهم من باب الفضول ومعرفة اختلافه عن أيّ زواج عاديّ، ومنهم من باب الغيرة، ففي رأيهم أنّي قادرة على الخروج عن المألوف دون أن أدفع ضريبة كبيرة. وبخصوص علاقتها بأسرتها تقول لم تكن لديهم مشكلة وهو لم يغيّر دينه، فالزواج هو زواج وستكون له ملحقاته حتماً، وبخصوص أولادها تؤكد، أنا لن أمانع أياً كان الشخص الذي يختاره أولادي طبعا حتى لو أسلموا أو بقوا على دين أبيهم، المهمّ أن يعرفوا الشخص الذي سيبنون حياتهم معه جيّدا، وأن يكون حتى الأهل مرتاحين، لأنهم يوترون البيت من حيث لا ندري. حتى في الزواج العادي أحيانا للأهل دور غير جيّد وهذا تابع لوعي الأسر التي نأتي منها، لكن في حالتنا يزداد مبرر الإزعاج أكثر للأهل وللمجتمع.
مأساة الطلاق في الزواج المختلط
السيدة “ر” تقول: أنا الآن مطلّقة، لم يكن طلاقي بسبب زواجنا المختلط أبدا. إنما تعرضنا لمشكلات لم نستطع حلها إلا بالطلاق، وهذا افرز نتائج سيئة جدا، لقد حرمت من رؤية أولادي بصورة مطلقة، فأنا لست أمّهم حسب طريقة زواجنا وقد أخذهم زوجي وهاجر إلى الخارج، وبقيت وحدي هنا لا أستطيع المطالبة بهم ومعالجة وضع حضانتهم بسبب طريقة زواجنا اللاقانونية. إن الضريبة في حالتي دفعت مرتين، مرّة بسبب المجتمع أو التقاليد التي أدت إلى حرماني من أهلي في فترة زواجي والثانية حرماني من أولادي بسبب الطلاق وما ترتب عنه اجتماعيا، فالمطلقة لها وضعها الخاص إن كانت متزوجة من نفس الدين فكيف في حالتي، فرغم أنّ أهلي استقبلوني بعد الطلاق وأنا أعيش عندهم الآن لكنهم لن يتوقفوا أبدا عن إلقاء لومهم وتهمهم التي ترمى جزافا على أنّ طلاقي بسبب مغامرتي السيئة بالزواج من غير ديني. ولا مانع لديّ أن أزوّج أولادي من أيّ أحد مختلف دينيا عنهم. فأنا قد جربته وأعرف أنّ الأديان لن تكون سببا في صعوبات هذا الزواج والمهمّ هو الانسجام والقدرة على العيش المشترك.
لا مردّ لقضاء الله
السيد “إ” والسيدة “ه” قالا: لا شكّ أنّ لهذا الزواج صعوباته لكن هذا لا يلغي تأييدنا له، فهو جزء من الحرية الشخصية وهو قرار واعٍ لشخصين، وإن رفضه عند البعض ناتج عن مجموعة أمور: منها العادات التي تفرض على أبناء الشرق علاقة خاصة بالأسرة، ومنها المسؤولية أمام هذه العلاقة ونظرة أفراد المجتمع- المتقوقعون داخل الأديان والعادات والتقاليد- على أنها خارجة عن المألوف،( مع إننا إذا نظرنا إليها من الناحية الدينية فهي مباركة ضمن مقولة ” لا مردّ لقضاء الله”، ومن الناحية العقلية فهي مباركة لأنها قرار واع وحقّ من حقوق الإنسان).. وإنّ القتل مرفوض مطلقا في هذه الحالة وفي غيرها وهذه مشكلة من المشاكل القانونية أكثر منها الاجتماعية فلو أجاز المشرّع السوريّ قانوناً يمنع قتل الشرف ويقرّ معاقبة مرتكبيه كمجرمين، لما أقدم أفراد المجتمع على فعله أياً كانت درجة تخلّفهم..
بلا شكّ، يعتبر الأولاد المحكّ الحقيقيّ لهذا الزواج فتربيتهم في مجتمع مؤطّر دينيا تفرض تلك الصعوبة، وخصوصا أن التربية لا يقوم بها فقط الأهل إنما كل المحيط من الشارع، حتى المدرسة التي يتعلمون فيها دينهم، والتي تجيب عن أسئلتهم تجاهه دون الدخول في التفاصيل، والأطفال في عمر معيّن لن يستطيعوا استيعاب الاختلاف الدينيّ، إنما يمكن تعليمهم ببساطة احترام كل الأديان على اختلافها والتمتع بما تدعو إليه من أخلاق، وهذا يعطيهم نوعا من التوازن الروحي حين يكبرون، حيث يستطيعون من خلالها التعامل مع قضية وجودهم في بيئة مختلفة دينيا، وهذه ميزه خاصة بالزواج المختلط، تساعد الأولاد على تشكيل قناعاتهم بشكل منفرد، ألم يقل جبران خليل جبران أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة، إذا فلتأخذ الحياة أبناءها بشكل حرّ وواعٍ.
الزواج حقّ حصريّ للشخصين المعنيين به
الأستاذ بسام القاضي، رئيس تحرير موقع نساء سوريا المتميّز في طرحة قضايا المرأة والمشكلات التي يسبّبها المجتمع لها. قال: إنّ الزواج المختلط ليس “نوعا” من الزواج لأقبله أو أرفضه، هذا حقّ بسيط للإنسان أن يختار شريك/ة حياته بناء على الرغبة والإرادة المشتركة من قبل الطرفين دون تدخّل من أيّ جهة أخرى، وهو حقّ حصريّ للشخصين المعنيين به، وليس حقّا للسلطة من أيّ نوع، ودور السلطة-أي الدولة الحديثة- تسجيل هذا الزواج في وثائق تكفل حقوق الطرفين وفق قاعدة حقوق الإنسان. كما أنه ليس هناك قتل “مشروع” وآخر”غير مشروع”، بغضّ النظر عن أسبابه ودوافعه وأساليبه وغاياته. فجرائم القتل التي تطال النساء، يجب أن يعاقب عليها القانون. والقتل بهذه الذريعة هو انتهاك سافر لحقّ الإنسان المطلق بالحياة، ولحقه باختيار شريك/ة حياته بناء على رغبتهما وإرادتهما المشتركة، ومن أساسيات العدالة أن يعاقب كل منتهك لأيّ من حقوق الإنسان، فكيف بحقّ على هذا المستوى من الخصوصية؟!.
هناك مسؤوليتان تفسّران عدم انتهاء هذه العلاقات بالزواج،الأولى مسؤولية السلطة (سلطة الدولة، سلطة رجال الدين، وسلطة المؤسسات المجتمعية..). وهي سلطة قوية وفعالة لأنها معزّزة بالقوانين، وبإمكانيات لتنفيذ حكمها على البشر، وهذه السلطات هي من تشرّع وتفرض على الناس أن يعيشوا في جاهلية التصورات المغلقة للدين، وتساعدهم على الاستسلام لأسوأ ما في الثقافة المجتمعية. أما الثانية فمسؤولية الأشخاص المعنيين مباشرة، فالتضحية بالقرار المشترك في زواج مبنيّ على الحب والرغبة والإرادة المشتركة خضوعا لـ”مشاعر الأهل”، أو لأسطورة “العادات والتقاليد” والخضوع لسلطة الآخرين المبنية على “ملكية” الأهل لأبنائهم ورجال الدين لرعيتهم، هو تنازل عن المستقبل وعن الحقوق، وهي تضحية غير مبرّرة.. في النهاية: الحياة الزوجية هي خيار المستقبل، في رأيي هذه خيارات حياتي، أنا وشريكتي سنعيشها بحلوها ومرّها، مع أنّ ضريبة ذلك قد تكون شديدة الوطأة (خاصّة على النساء)، إلا أنّ هناك مبدأين أساسيين في الحياة: أن أكون فاعلا، أو مفعولا به. أما صعوبات هذا الزواج فهي نتيجة لائحة طلبات السلطات المختلفة (الأهل ورجال الدين..) المبنية على “حقّ” ملكيتهم للشخص، وهي لا تنتهي عند حدود إذا ما سمح لها بذلك. مثلا، أهل زوجتي وأهلي ينتمون إلى الطائفة نفسها، مع ذلك تعرضنا لحرب شعواء لا تقلّ عن الحرب التي تشنّ بسبب الزواج من خارج الطائفة، وهناك الكثيرون في مثل وضعي. من هنا يجب على الأشخاص المعنيين أن يتخذوا مواقف حاسمة لتحقيق خياراتهم. وبالنسبة لمن يمتنع عن إنجاب الأطفال بسبب الاختلاف الدينيّ، هؤلاء أشخاص لا يستحقّون الحياة المشتركة التي يعيشونها، والأجدر بهم أن ينفصلا ويذهب كل منهما في سبيله. حين تتخذ خيارا في حياتك يجب أن تكون مسؤولا عنه أمام نفسك قبل الآخرين وتدافع عنه بجدارة. من هنا ليس لدين الآخر أو طائفته أيّ اعتبار، وليس لرأي الأهل في زواج أبنائهم بكل تفاصيله إلا الاستشارة. لأنّ حقّ القرار النهائيّ هو حقّ حصريّ ومطلق للأشخاص المعنيين به (الشاب والصبية)، وفي موضوع الدين بالنسبة للأطفال، قال لو كان لديّ أطفال (وهو ما أفعله مع أطفال آخرين) أجيب على الأسئلة الدينية بصدق ووفق مستوى وعيهم. والأساس في إجابتي أنّ عليهم أن يؤجلوا التفكير في هذا الموضوع إلى وقت آخر. تماما مثل العديد من المواضيع التي تعطى فيها بعض المعلومات المناسبة لسنّ الطفل، وفي الوقت نفسه يوجّه الطفل إلى أنّ عليه أن ينتظر أن يكبر قليلا ليعرف أكثر. دون إغفال ضرورة التأكيد المستمر على أنهم “سوريون”، أي أن “دينهم” الأساسيّ هو المواطنة.
إنّ هذا التحقيق سيفاجئ قارئيه بأسماء الأشخاص”س”و”ع”و”ل”، وسيعتقدون أنهم يقرؤون مسألة جبر، ولكنّ ذلك كان نتيجة الدخول في موضوع حسّاس اجتماعيا، فتحوّل أفراد تحقيقنا إلى معادلات بلا روح، وكأنّهم تجريد فكريّ محض بلغة الرياضيات!!والسؤال، أيّة آلام يعانيها البشر ولا يستطيعون التعبير عنها..في مجتمعنا الذي يقاطع وينبذ ويربط الشرف بـ”فرج”المرأة!! مع كل هذا فإنّ الواقع أثبت أنّ الزواج من مختلفي المذاهب من قضايا الحياة اليومية سواء أجاز القانون ذلك أم رفضه..!! وهو ما يدفع الكثيرين منّّا لاعتبار الهجرة هي الحل، وذلك ليستطيعوا الزواج بمن يحبّون. فأيّ بلادٍ هذه التي تمنع عنّا خيار الحبّ..!!. سنقول في نهاية الجزء الأوّل من هذا التحقيق فكرة، ربما ستكون مفاجأة أيضاً، وهي أنّ الحلّ لمشكلة الزواج المختلط يحتّم علينا بالإضافة لحقّ الزواج المدنيّ كتشريع ضروريّ ووضعيّ، أن نتبنّى في داخلنا فكرا منفتحا يحترم الأديان ويفسرها دون أن يخضع لتأويلات فقهائها الأصوليين وهو ما يساعد على فهم أكبر وأعمق لجوهر الأديان السماوية التي تدعو للمحبة والإخاء والسلام وضرورة أن تتقبل الزواج متعدّد المذاهب..
موقع الآوان