صفحات الناس

لدي حلم… أريد صندوق اقتراع في سورية

null
زين الشامي
لا بد أن غالبية من العرب الذين تابعوا الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي انتهت بفوز مرشح الحزب «الديموقراطي» باراك أوباما، لا بد أنهم تمنوا في قرارة أنفسهم لو أن شيئاً مماثلاً، أو شبيهاً يحصل في بلدانهم، خصوصاً أولئك المواطنون الذي يرزحون تحت ظل أنظمة قمعية واستبدادية منذ عشرات الأعوام.
ما حصل في الولايات المتحدة الأميركية أطلق العنان لمخيلتنا لتذهب بعيداً، وتساءلنا في أعماقنا، وخلال نقاشاتنا وكتاباتنا، سراً، أو تورية، أوعلانية، لماذا لا يحصل عندنا كالذي حصل في الولايات المتحدة؟
خلال متابعتنا لما كان يجري في السباق إلى البيت الأبيض، سواء على مستوى التنافس، والصراع، ضمن «الحزب الديموقراطي» نفسه، أو «الحزب الجمهوري»، كنا نلاحظ تلك العلاقة الخاصة بين الناس، وما بين المرشحين الذين يسعون إلى كسب ود وتعاطف الناخبين، وفي ما بعد أصواتهم في صناديق الاقتراع، كذلك رأينا التفاعل الشعبي مع العملية الانتخابية، كان كل شيء حقيقيا، كنا نشعر ونؤمن أن الشعب هو من سيقرر مصيره بيده، وهو من يختار رئيسه ويمنحه ثقته. إن ذلك حقاً يبدو مثيراً ويشعر المواطن بقيمته، وإنسانيته، وأهميته، ودوره.
واليوم انتهى السباق بفوز باراك حسين اوباما، مرشح «الحزب الديموقراطي»، الأميركي من أصول أفريقية، الأميركي لأب من كينيا، وأم أميركية. كانت تلك لحظة تاريخية، وما كان لها أن تتحقق لولا مشاركة الشعب الأميركي الذي اقتنع بهذا الحالم الأسمر الذي يملك مهارة ساحرة في الخطابة، وفن تطويع الكلمات، كما الشعراء والفلاسفة العظام، والثائرين المؤمنين بفكرة.
ما رأيناه في الولايات المتحدة جعلنا نستذكر على سبيل التندر ما يجري في بلادنا من مهازل تحت اسم الانتخاب، والديموقراطية، فيما الشعب لا حول له وقوة، تحكمه عشرات الأجهزة الأمنية، وجيوش من العناصر والاستخباراتية التي لا هم لها سوى مراقبته، وتنغيص حياته، بحيث يتمنى لو لم يكن خلقه الله إلى هذه الحياة.
ما رأيناه، وما تابعنا جعلناه نستذكر نسبة الـ 99.99 في المئة التي يحصل عليها الزعيم في بلادنا، الزعيم والقائد الملهم، الحكيم، التاريخي، الضرورة… ما رأيناه جعلنا نستذكر كيف أن المخابرات كانت تنشر الإشاعات التي تسبق ما يُسمى بـ «يوم الاستفتاء»، أو… التي تحذر المواطنين من مغبة عدم المشاركة، فيهرعون، كما المخلوقات المرعوبة، إلى تلك المراكز الانتخابية، وهي إما عبارة عن فرقة حزبية، وإما مدرسة، وإما مستشفى، وإما مبنى حكومي. وهناك كنا نرى المئات من الصور الورقية المعلقة والملصقة على الجدران للقائد، ومرشح الشعب، وحده لا أحد سواه.
في تلك التي تُسمى المراكز الانتخابية، كان الناس يدخلون متلفتين يميناً ويساراً من الخوف، أو كما لو أنهم يريدون أن يؤكدوا حضورهم ومشاركتهم في «هذا العرس الديموقراطي»، لأن الناس كانت تعرف أن الموجودين كلهم في المركز الانتخابي ما هم إلا عناصر من المخابرات، أو «رفاق بعثيين».
كان التلفزيون الحكومي يبث على مدار اليوم أغاني «قومية» هدارة، ومقتطفات مطولة من كلمات «القائد»، «حبيب الشعب والملايين»، وكانت الصحف تظهر رأي المواطنين من كل الشرائح، وكيف أنهم يعبرون برأيهم «بكل صراحة» عن حبهم للقائد. مرة أخبرتني صديقة تعمل في صحيفة «الثورة» الحكومية، وهي محررة في القسم الثقافي، لا ناقة لها ولا جمل بكل هذه الاحتفاليات الكاذبة، كيف طلب منها رئيس قسمها أن تكتب زاوية، أو قطعة صحافية، تعبر من خلالها عن «رأيها» في القائد، ولماذا قررت أن تقول «نعم» في الاستفتاء.
في بلادنا تهدر الملايين من الدولارات في تلك الحملات من أجل «مرشح» واحد وحيد، مرشح القيادة القطرية لـ «حزب البعث»، دون أن يتجرأ أحد من عامة الناس، مهما بلغ شأنه، على مجرد التفكير في الترشح لانتخابات الرئاسة. وكان السوريون يتساءلون فيما بينهم «وما جدوى هذه الانتخابات إذا كانت نتيجتها معروفة؟».
أيضاً على مستوى ما يسمى «مجلس الشعب» كان شيئاً مشابهاً يجري، لكن مع فارق وحيد أنه لا يحق للمرشح سوى أن يطبع صوراً له ويلصقها هنا وهناك على جوانب الطرقات، ولا يسمح له أيضاً سوى بطرح شعارات تعبر عن ولائه للقائد والحزب. على الرغم من أنه لا يتجرأ أحد على الترشح لهذا المجلس، الذي لا دور فعليا له، دون موافقة واضحة من أحد الضباط الأمنيين.
في بلدي، يتشاطر الإعلام الحكومي، والموظفون الكتبة في هذا الإعلام على سب وشتم الولايات المتحدة، والتغني بحكمة قائدهم الملهم، فيما الناس تحلم بأن تعيش، ولو لدقائق، ما عاشه الأميركيون خلال عملية التسابق إلى البيت الأبيض، يحلمون بقائد، ورئيس، لا يسجن شعبه، وخصومه، بل يناقشهم، ويجادلهم، كما كان يفعل باراك اوباما، ومنافسه الجمهوري جون ماكين.
في بلدي يحلم الناس بتفاصيل جدا بسيطة، هواء نظيف، كرامة، شوارع خالية من المخابرات، سجون دون معتقلين سياسيين، أو بلاد دون سجون، مدارس تعلم العلوم، لا المنطلقات النظرية لـ «حزب البعث»، وأقوال القائد الملهم.
في بلدي الناس يحلمون بصندوق اقتراع.
كاتب سوري
صحيفة الراي الكويتية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى