صفحات سورية

سورية تشتكي من لبنان!

null
عبد الرحمن الراشد
من المفارقة أن دمشق تطالب بحماية حدودها من لبنان، قبل عام كانت الامم المتحدة تطالب سورية بوقف التسلل من حدودها ضد لبنان. سورية تشتكي اليوم ان الارهابيين الذين نفذوا سلسلة تفجيرات واغتيالات جاؤوها من لبنان. وتزداد المفارقة أن دمشق تشتكي ايضا من الهجوم على اراضيها القادم من وراء الحدود العراقية. العراق ظل يشتكي ثلاث سنوات من آلاف الانتحاريين والمقاتلين الذين عبروا من سورية الى اراضيه.
واعترافات الفيديو المسجلة تقدمها السلطات السورية كأدلة على تجريم الجيران اللبنانيين، لكن الاعترافات في السجون لا يعتد بها هذه الايام، حيث يمكن إرغام اي سجين على قول ما يريده السجان. لكن الذي يعتد به هو السمعة والسجل الامني. لا أحد، يملك ولو قليلا من العقل، يصدق ان تيار المستقبل اللبناني متورط في العمليات الارهابية في سورية. فهو لا يستطيع ان ينفذ أي عملية حتى في مدينته بيروت، دع عنك ان يتجرأ على القلعة السورية المدججة أمنيا، فيخطط ويرسل وينفذ عمليات في قلب دمشق. وأنا لا اقول ان «المستقبل» بريء من الشماتة في المقاهي، او الدعاء في المسجد الجديد على النظام الجار، الذي يتهمه بانه قتل زعيمه رفيق الحريري، واغتال أحد عشر شخصية لبنانية كبيرة ومعارضة لسورية. إنما الكل يعرف ان الحريريين أضعف من أن يدافعوا عن انفسهم حتى في حي الأشرفية في بيروت، ويستحيل ان يفكروا في نقل المعركة الى خارجه. لهذا السبب سارع زعيم تيار المستقبل الشيخ سعد الحريري يطلب من الجامعة العربية ان تتحقق من الادعاءات السورية.
اعتقد ان كلا الطرفين على حق في دعاويهم. بخلاف ما قاله «تيار المستقبل»، سورية لم تفبرك التفجيرات بل هي اعمال ارهابية خطيرة. كما ان سورية محقة في ان العمليات التي استهدفتها، خاصة الانتحارية، جاءت من لبنان، لا ايران او العراق او تركيا او اسرائيل. هي تظن ان هناك تحالفا بين خصومها في لبنان على ضربها في الداخل. اما في بيروت فان «المستقبل» يجزم بأن الزج باسمه على لسان المتهمين في اعترافاتهم المتلفزة مفبركة، وهذا صحيح أيضا.
سورية تعاني من تبعات «النوم مع الجهاديين»، كما حدث للسعوديين والاميركيين في افغانستان، الذين دفعوا الثمن غاليا بسببه بعد نهاية الحرب الاولى في افغانستان. كانت الجماعات المتطرفة قد وجدت في سورية السند، والممر، طوال حربها في العرق حتى بدلت سورية سياستها، واغلقت الباب عليهم، فتناقصت العمليات الانتحارية في انحاء العراق، وتعاونت ضدهم. ثم تم استهدافهم في لبنان من قبل الجيش اللبناني في مخيم نهر البارد، الذي اعتبره تنظيم «فتح الاسلام»، وغيره من الجماعات الارهابية، رخصة سورية بملاحقتهم وتصفيتهم. بعدها جاءت أحداث هجوم حزب الله، حليف سورية، على بيروت الغربية المحسوبة سنيا، لتصب الزيت على النار الطائفية. فصار من الطبيعي ان تصبح سورية هدفا لهم. ولأن هذه الجماعات دينية متطرفة فهي لا تعترف بإمارة الحريري، بل تناصب كل المؤسسة السنية المدنية في لبنان العداء.
سورية تريد تصفية الجماعات الأصولية المعادية لها في لبنان، وهذا أمر يرضي أكثرية السنة أيضا وان لم يبوحوا به. وسورية، ايضا، تريد إلصاق التهمة بـ«تيار المستقبل» حتى تعزله في المعركه السياسية اللبنانية، وتلاحقه بدعوى ضرورات الانتقام، وهنا تسير سورية على نفس الطريق الخاطئ الذي ارتكبته في الماضي القريب وأوصلها الى الوضع السيئ الذي وجدت نفسها فيه اليوم.
جريدة الشرق الاوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى