عن «اعترافات» التلفزيون السوري
الياس حرفوش
لا يمكن لمن تابع حلقة «الاعترافات» على التلفزيون السوري على لسان أشخاص تم الترويج لهم على انهم اركان في خلية «فتح الاسلام» معتقلون من جانب الامن السوري، لا يمكن للمتابع، ازاء ذلك، إلا أن يغمره الاعجاب الشديد بشفافية اجهزة الامن تلك في عملها الاستخباري وفي وسائل التحقيق التي تتبعها. لا ضربة كف هنا ولا خدشة جبين، نكاية بغوانتانامو وابو غريب، حتى ليكاد المرء يتمنى لو كان له ان يُعتقل يوماً بأية تهمة، والتهم دائماً متوافرة، ان يُعتقل على يد أمن حضاري من هذا المستوى!
بين العلامات الاخرى التي يؤشر اليها هذا النسق من الكشوفات اعترافه بأن الساحة الامنية السورية هي ساحة معرضة للاعمال الارهابية مثلها مثل سواها. وهذا مؤشر غير هيّن في بلد كان مشهوداً له على الدوام بالقبضة الامنية التي «تكشف الطير قبل طيرانه»، سواء في الداخل السوري، أو في مناطق وجود القوات السورية في لبنان، ايام كانت تقيم في ذلك البلد. يحتاج مثل هذا الكشف الى ثقة بالغة بالنفس ترافقها رغبة في تقديم صورة اخرى عن تلك القبضة، وهي بالتحديد الصورة التي فتحت المجال امام اسئلة كثيرة ازاء احداث أمنية اخرى وصفت بـ «الاختراقات»، لعل اهمها اغتيال عماد مغنية في قلب دمشق ثم الاغتيال الغامض للعميد محمد سليمان. وهذا ما يفتح الشهية على استكمال التحقيقات والاعترافات لتشمل هذين الحادثين الخطرين، مثلما كان الوعد في الاصل. إذْ لو لم تكن القبضة الامنية على تلك القدرة المشهودة ولو لم تكن هناك تلك المساحة من «الحرية» في العمل والدعاية السياسية، لما اتيح لمعهد، مثل «معهد الفتح الاسلامي» في دمشق، أن ينشط وان «يستقطب طلاباً عرباً واجانب من ذوي الفكر المتشدد» (كما «كشف» من تم استصراحهم على التلفزيون) ثم يتجرأ بعضهم على الأمن السوري.
النقطة الاخرى اللافتة للانتباه في هذه الاعترافات التوافق الزمني لبدء النشاط الارهابي مع العام 2005، وهو العام الذي تم فيه تنفيذ عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. في هذا السياق بدا مفيداً أن تعيد هذه الاعترافات التذكير بالهوية الارهابية لمنفذي ذلك الاغتيال، من الاسلاميين المتشددين من جماعة «فتح الاسلام» او من يدور في فلكها، وذلك في مجال الرد (مجدداً) ودحض الاتهامات التي تم تسريبها بحق مسؤولين سوريين وشركاء لبنانيين، جرى الحديث عن علاقتهم باغتيال الحريري او اشرافهم على تنفيذه. فعندما يتجرأ «ارهابيون» على الامن على طريق مطار دمشق يصبح تجرؤهم على «هدف خارجي» على طريق عين المريسة في بيروت امراً قابلاً اكثر للتصديق!
«المفيد» الثالث في هذه «الاعترافات» هو انها تعيد ربط الامن الداخلي السوري بالامن في شمال لبنان (وطرابلس تحديداً)، فضلاً عن ارتباط هذا الامن بـ «تسرب» الانتحاريين الذين يقفون وراء الاعمال الارهابية الى العراق. بهذا المعنى تصبح الحجة السورية «أقوى» في ردها على الاتهامات المتعلقة بمعركة نهر البارد في العام الماضي او بـ «تهريب» المقاتلين الى العراق، وهي الحجة التي استخدمها الاميركيون في غارتهم الاخيرة على نقطة الحدود السورية – العراقية عند البوكمال.
غير ان هناك ما لا يصح إغفاله من بعد كل ذلك، وهو البعد السياسي لـ «اعترافات» تأخذ في طريقها خصوم سورية في لبنان وفي المنطقة. بهذا المعنى يمكن القول ان هذه الاعترافات تدخل في باب العمل الدعائي والاعلامي، اكثر مما تدخل في الباب الامني، ويصبح من الطبيعي «تهنئة» هؤلاء الذين ظهروا على التلفزيون السوري على حسن استيعابهم وادراكهم لخلفيات التوتر القائم حالياً بين نظام دمشق وخصومه اللبنانيين والاقليميين، بحيث بدا وكأن «اعترافاتهم» جاءت تخدم أهداف ذلك النظام… من غير أن يدروا!
الحياة