حملة جديدة على سورية
رأي القدس
تتكرس يوما بعد يوم ‘ثقافة’ غريبة، ابرز مفرداتها هو تحريم امتلاك العرب والمسلمين لأي برامج نووية، سلمية كانت او عسكرية، لان هذا يعني الصاق تهمة الارهاب، وخرق قوانين الشرعية الدولية بهم، خاصة اذا كانت الدول المعنية لا تسير في الفلك الامريكي.
نقول هذا الكلام بمناسبة الضجة المثارة حاليا في الاعلام الغربي، وبعض العربي، بسبب تسريبات تفيد بان فريق المفتشين الدوليين عثر على آثار يورانيوم في موقع سوري مشتبه بكونه معملا نوويا قيد الانشاء قرب مدينة دير الزور قصفته الطائرات الاسرائيلية. الهدف من هذه التسريبات هو ‘تجريم’ سورية، واصدار احكام ضدها حتى قبل ان تصدر وكالة الطاقة الذرية التابعة للامم المتحدة تقريرها حول الموقع النووي المزعوم، لانها مستهدفة، مثل اي بلد عربي آخر، لا ترضى امريكا عن سياساته.
والغريب في الامر هو محاولة ‘تجريم’ الضحية، وليس الجهة التي اخترقت طائراتها اجواء دولة ذات سيادة وارتكبت جريمة تدمير مبنى في عمقها دون ان تملك اي ادلة، ودون اي قرار دولي.
وحتى لو افترضنا ان الموقع المستهدف كان مفاعلا نوويا قيد الانشاء فليس من حق اسرائيل، ولا الولايات المتحدة الامريكية اخذ القانون الدولي بايديهم، والقيام بهذه الغارة الاجرامية، خاصة ان الحكومة السورية كانت على اتم استعداد لفتح ابوابها لوكالة الطاقة الذرية ومفتشيها لمعاينة الموقع، واثبتت حسن نواياها في هذا الصدد عندما استضافت فريقا تابعا للوكالة للقيام بعمليات التفتيش وفحص عينات التربة.
ان هذه التسريبات، والحملة التي استهدفت سورية بعد حدوث الغارة المذكورة، تذكرنا بالافلام العربية القديمة، التي يقوم فيها بعض المجرمين بدس قطعة مخدرات في ملابس ‘البطل’ او منزله ثم ابلاغ الشرطة حتى تقوم باعتقاله بالجرم المشهود.
فاذا كانت الولايات المتحدة نفسها، تعترف بان الموقع النووي المزعوم كان قيد الانشاء بمساعدة كوريا الشمالية، فكيف نجح، وقبل ان يكتمل البناء، في انتاج يورانيوم مخصب او غير مخصب؟ فالمنطق يقول بأنه يجب ان يكتمل البناء اولاً، ثم يتم بعد ذلك استقدام الاجهزة والمعدات والبدء في تركيبها، واخيراً، وبعد سنوات من الاختبارات يمكن انتاج اليورانيوم او حتى احضاره لاستخدامه في المعمل المزعوم.
الدكتور محمد البرادعي أمين عام وكالة الطاقة الذرية قال ان التحقيقات لم تكتمل بعد، والفحوصات للعينات المتخذة من مكان الموقع ما زالت قيد الفحص، وان المفتشين لم يجدوا في هذه المرحلة اي مؤشرات تدل على وجود اي مواد نووية، فهل هناك شهادة أوضح من هذه الشهادة على كذب الادعاءات الاسرائيلية والامريكية في هذا الخصوص؟!
المؤلم ان هذه الاتهامات لسورية تأتي من اسرائيل الدولة التي لم توقع على معاهدة منع الانتشار النووي، ولم تسمح مطلقاً لفريق الوكالة الذرية بتفتيش اي من مواقعها النووية التي انتجت حتى الآن اكثر من 300 رأس نووي.
سورية مستهدفة اسرائيلياً وامريكياً، مثلما هي محاصرة ومستهدفة عربياً ايضا، وأشكال هذا الاستهداف تتعدد، ابتداء من التفجيرات والسيارات المفخخة، ومروراً بعمليات الاغتيال لبعض رجالها وضيوفها (عماد مغنية) وانتهاء بالغارة الامريكية على مدينة البوكمال الحدودية. والسبب هو انها لا تقر السياسات الامريكية الإذلالية للعرب والمسلمين مثلما يريد البيت الأبيض.
القدس العربي