سوريا “المنتقمة” تضر بلبنان… وبنفسها !
سركيس نعوم
ترتيب العلاقات بين لبنان وسوريا بشار الاسد، او بالأحرى تطبيعها ثم ارساؤها على اسس عميقة وثابتة ودائمة تراعي المصالح الحيوية لكل منهما والمسلمات الوطنية مثل السيادة والحرية والاستقلال وتمنع تدخل احدى الدولتين في الشؤون الداخلية للاخرى، امر يرحّب به اللبنانيون على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم ودياناتهم واحزابهم وعشائرهم وسياسييهم. ذلك ان من شأنه مساعدتهم على اعادة بناء دولتهم ومؤسساتها واشاعة الاستقرارين الامني والسياسي فيها والانصراف الى حل خلافاتهم المزمنة والمستعصية على نحو يجعل من العيش المشترك بين شعوبه عقيدة ثابتة غير قابلة للنقض او التغيير. لكن ترتيب العلاقات اللبنانية – السورية على هذا النحو ليس بالسهولة التي يتصورها كثيرون، سواء في الداخل او في الخارج. ذلك ان تجربة هذه السوريا مع لبنان وشعوبه ودولته ومؤسساتها على مدى نيف و15 سنة من الحروب الأهلية وغير الأهلية التي عصفت به وبها، ونيف و15 سنة من التحكم والسيطرة بل الحكم المباشر بعد انتهاء الحروب العسكرية، لم تكن مشجعة على الاطلاق. فالطائفية تجذرت، والمذهبية استشرت، والتفكك تفاقم، واللجوء الداخلي المتنوع الى الخارج المتنوع للمساعدة والحماية صار قاعدة. والخوف على استقلال البلاد ووحدتها بلغ ذروته، واذا كانت مسؤولية اللبنانيين عن هذه الحال واضحة نظرا الى انقساماتهم وتقدم ولاءاتهم المتنوعة والمتناقضة على الولاء لوطن واحد ودولة واحدة رغم كل كلام مخالف، فان مسؤولية سوريا عن الحال نفسها هي اكثر وضوحاً لا بل اكبر حجما. فهي شقيق اكبر. وقد تعهدت حماية اللبنانيين من الإبادة، او بعضهم، في بداية الحروب ثم قدمت التعهّد نفسه الى المجتمعين الغربي والدولي بعدما كلفاها انهاء هذه الحروب ومساعدة اللبنانيين على اعادة بناء بلادهم. كما تعهّدت مساعدتهم في مواجهة العدو الاسرائيلي المزمن. لكنها استغلّت كونها شقيقاً اكبر للسيطرة على البلاد. واستغلّت التفويض العربي – الدولي للإمساك بالبلاد. وبدلا من المساعدة في حل الخلافات بين اللبنانيين، ادارتها وعمّقتها واستعملتها بغية حكم لبنان اولاً عبر الحلفاء، ثم مباشرة تمهيداً لجعله جزءاً منها اما رسمياً واما بفعل الامر الواقع. طبعاً ادى ذلك على ما هو معروف الى “الانفصال” عام 2005. وادت قسرية هذا الانفصال واتمامه رغماً من ارادة سوريا بشار الاسد الى تصميمها على الرد. علما ان الحكمة كانت تقتضي منها مراجعة سياساتها اللبنانية، واعترافا باخطائها، ووضع سياسة جديدة تشدد على التعاون والتنسيق وحتى التكامل بين الدولتين الشقيقتين، وكذلك مراجعة وضع لبنان ووضع سياسة تساعده على ان يكون موحّدا كي يتحول سنداً لها لا عبئاً عليها. وردت سوريا هذه، وتمثّل ردها الناجح حتى الآن على الاقل بوضع لبنان على شفير الحروب الاهلية من جديد، وباعادته ساحة لمواجهة عربية – عربية وعربية – اقليمية وعربية اقليمية – دولية. وهذه المواجهة لا تزال مستمرة، رغم ما يُقال رسمياً عن النيات الطيبة سواء عند اللبنانيين او السوريين او بالاحرى عند حاكم سوريا وهو واحد وعند حكام لبنان وهم اكثر من واحد لا يجمعهم شيء رغم الخطابات، ولذلك لا يزال مستمراً معها الوضع اللبناني التعس.
هل تساعد زيارة وزير الداخلية زياد بارود لدمشق قبل يومين في تحسين الوضع اللبناني من خلال وضع علاقة لبنان وسوريا على طريق التطبيع؟
كل تبادل زيارات بين الوزراء يعد ناجحا وخصوصاً اذا أعقب قمة رئاسية لبنانية – سورية استضافتها دمشق في 16 آب الماضي قيل انها ناجحة ولخص البيان المشترك الصادر عنها القضايا التي ساهمت في نجاحها. لكن ذلك وحده لا يكفي. فالزيارة استندت الى البيان المشترك المذكور الذي بدأ التعامل معه لبنانياً ومع العالم على اساس انه اتفاق تاريخي يكاد يكون في مستوى اتفاقي الطائف والدوحة. وهو قد يكون كذلك. لكنه بما ورد فيه لا يلخّص مواقف كل اللبنانيين، ولا كل “حكام لبنان” المتحدين في حكومة “الوحدة الوطنية”. فالموضوعات التي وردت فيه، من حماية الإرهاب وترسيم الحدود و”لبنانية مزارع شبعا”، مهمة. ولكن لا يكفي ان يقول رئيس لبنان للعالم مطمئنا اياهم ان في البيان اشارة واضحة الى هذه اللبنانية والى ان ترسيم حدودها سيتم لاحقاً كي يحصل على دعمه لاستعادتها من اسرائيل. فرئيس الدولة، وخصوصاً بعد الطائف، وسواء أكان ذلك خطأ ام صوابا، عليه ان يعود الى مجلس الوزراء. وعلى الأخير ان يضع السياسات العامة. وفي موضوع العلاقة اللبنانية – السورية التي من الضروري ان تكون جيدة جداً، على هذا المجلس ان يدرسها من كل جوانبها وان يقرر مصير كل ما حددها في الماضي من مجلس اعلى ومعاهدة و124 اتفاقاً متنوعاً، وان يقترح صيغة جديدة لها اذا كان هذا رأيه. وفي ظل التوازن الجديد داخل هذا المجلس يمكن التوصل الى صيغة علاقة جدية ومتكافئة اذا خلصت النيات. اما اذا كان فريقا مجلس الوزراء المتصارعان سيعتبران نفسهما ممثلين لجهات خارجية ولمصالحها، وإن على حساب مصالح لبنان او لمصالح طوائفهما والمذاهب، فانهما سيختلفان ولن يحققا شيئا.
في اختصار، على سوريا ان تدرك ان السيطرة على لبنان وادارته باجماع شعوبه أمر مستحيل. فدائماً هناك شعب يرفض ذلك و”يقاوم”. بالأمس كان المسيحيون هذا الفريق. اليوم يشكل السنّة عموده الفقري مع مسيحيين كثيرين رغم تدني وزنهم وانضمام أهمهم الى سوريا وحلفائها. وعلى سوريا الاسد ان تدرك ايضاً ان لبنان سيبقى يمثّل مشكلة لاميركا في ظل ادارتها الجديدة ليس لأنه مهم، بل لأنه قد يكون مؤذياً لاسرائيل الحليف الاستراتيجي لاميركا، ومفيداً لاعدائها الحاليين اي ايران وسوريا. ولذلك فانها قد تتحرك لأجله أو بالأحرى لأجل اسرائيل وخصوصاً اذا استيقظت يوماً على استيلاء “حزب الله” على لبنان، سواء عبر الانتخابات النيابية او بوسائل غير قانونية ودستورية، اي استيلاء سوريا وايران عليه. وهذه الفرضية لا نطرحها نحن، بل طرحها اخيراً باحث اميركي معروف، وكونه يهودياً لا يقلل من اهميتها.
النهار