يسقط يسقط حسني مبارك
مازن كم الماز
بقدر ما كانت غضبة الليبراليين العرب من حذاء الزيدي , الغضبة التي شاركت مع السذاجة الشعبوية في تحويل هذا الحذاء إلى قضية أكبر من حرية الملايين و حقها في العيش الكريم , بقدر ما هو اليوم هدوءهم الذي يحسدون عليه أمام القنابل التي تلقيها ال ف – 16 على رؤوس الفقراء في غزة , و بذات القدر تماما تبدو سخيفة فكرة ربط الحرية ( أو الديمقراطية باللغة الليبرالية الدارجة ) مع أنظمة الاعتدال العربي , و بقدر ما تأتي غضبتهم اليوم من “الحملة”التي تستهدف النظام المصري “المعتدل” الذي أصبح بين لحظة وضحاها رمزا لهؤلاء الليبراليين في مواجهة شمولية حماس و حزب الله , و لأنه يجب أن نرجع هذه القضية إلى مرجعية ما ليست بالضرورة السيدة ليفني و دبابات باراك التي تحدق بغزة اليوم , فسأفترض أن النظام المصري يقف في نفس موقف نظام صدام حسين في مارس آذار 2003 , أو حتى موقف حكومة حماس التي تسمى عادة بالمقالة اليوم في غزة , يواجه قوة أكثر قدرة و جبروتا , و لا يجد أمامه سوى شعبه فقط , و أكرر , شعبه فقط لا غير , ليدافع عنه , تماما كما كان حال نظام صدام في مارس 2003 أو حكومة حماس اليوم , و سيكون السؤال هنا : هل سيدافع الشعب المصري , أي الناس العاديين , أي الناس الغلابة , أي الناس الفقراء , أي أهالي ضحايا الدويقة و العبارة , أي ملايين الفلاحين الفقراء , أي عمال المحلة , هل سيدافع هذا الشعب عن النظام المصري ؟ في الحقيقة , لو وضعتم كل الأنظمة العربية , أي نظام عربي , من المحيط إلى الخليج كما اعتاد القوميون أن يصفوا هذه الأرض التي نقف عليها , مكان النظام العراقي , أي نظام تريدون , فأنا أشك جديا أن يتمكن أي نظام أن “يصمد” أطول مما فعل نظام صدام , إن أنظمة الاعتدال , وهنا هي لا تختلف عن أنظمة “المقاومة” , تنهب شعوبها و تقمع أية مبادرة لتحدي وحدانيتها المطلقة , و إذا استثنينا الكويت التي يسمح الإجماع الوطني فيها حول السياسة الدفاعية , التي يدور خلاف حاد عليها في لبنان مثلا , مع درجة من المشاركة النخبوية في توزيع عائدات النفط في وجود شكل تشارك فيه النخب الأسرة الحاكمة نهب وزارت الدولة باسم المشاركة الديمقراطية , و لكنها أيضا الكويت التي يحميها المارينز و ليس شعبها , هذه الأنظمة جميعا لا يوجد فيها أي شكل من أشكال المشاركة السياسية , ليس فقط بالنسبة للناس العاديين , بل حتى فيما يخص النخب التي تأتي في الدرجة الثانية بعد رأس السلطة من حيث النفوذ المالي و الاجتماعي و ربما التقليدي أي العشائري والديني , السلطة التي تطورت من أنظمة ما بعد الاستقلال سواء في دول “الممانعة” أو الاعتدال , تقوم على أساس اجتماعي واحد هو رأسمالية الدولة البيروقراطية , الفرق هو في الخيارات السياسية الخارجية أساسا بين هذه الطغم الحاكمة , هذا ما يجعلها “معتدلة” أو”ممانعة” , أما من هو الذي يحمي هذه الأنظمة ؟ فهي ذات أجهزة القمع في كل مكان , ذات الجلادين و ذات الماكينة الدعائية الفاجرة التي تمجد رأس النظام تحديدا , الفرق الوحيد هو أنه بعد حزيران 67 لم ترغب هذه الأنظمة بمواجهة عدو قوي و قادر على هزيمة جيوشها المعدة أساسا للاستهلاك المحلي , فحتى معركة تشرين الأول أكتوبر 73 , رغم نتائجها السيئة , تمت بعد فترة تعبئة طويلة شعبية ردا على هزيمة حزيران يونيو حولتها من حرب في سبيل النظام إلى حرب من أجل بهية و دمشق و ليست حربا من أجل السادات و الأسد , تذكروا ما الذي حدث في مارس آذار 2003 في العراق , لقد خان أكبر المستفيدين من نظام صدام سيدهم و باعوه للأمريكان بكل بساطة عندما تأكدوا من أنهم بمأمن من عقاب رأس النظام و سخطه و أنه بمقدورهم تحقيق ربح أخير من علاقتهم بالنظام , هل تتصورون أن الشعب المصري سيدافع عن نظام يملك فيه جمال مبارك و أحمد عز و هشام طلعت كل خيرات البلد تاركين لهم أزمات لا تنتهي سعيا وراء رغيف الخبز ؟ من المؤكد أن نظام التدجين المستنسخ ذاته في كل مكان من قبل أنظمة رأسمالية الدولة من طهران إلى الدار البيضاء ناجح في احتواء مخاطر الثورة , لكنه أعجز من أن يدفع الناس , العاديين مرة أخرى و بإصرار , إلى الموت المجاني في سبيل من يستغلهم , هذا لا يمنع أنه من الممكن أن يظهر في وقت ما مستبد شعبوي مرة أخرى قادر على بيع وهم جديد للناس العاديين و أن يحولهم إلى براغي مطيعة مستسلمة في ماكينة حكمه و هيمنته عليهم قبل أي شيء آخر , قبل أن تقودهم التجربة للكفر به , كما جرى مع عبد الناصر و ستالين من قبل , هذا بكل بساطة لأن إعلام الإمبريالية الأمريكية و شريكه الصغير المحلي , إعلام البترودولار , قد نجحوا بتشويه قضية الحرية و حولوها إلى مجرد سمع وطاعة لأمريكا و لأنظمة الاعتدال , و صمت أو تواطؤ مع قتلة كأولمرت و باراك , و لأن القوى التي يفترض أن تدافع عن حرية الناس تصر على أن حرية هؤلاء الناس هو في خضوعهم من جديد لسلطة جديدة تملكهم و تتحكم بمصيرهم….