من المسؤول عن مجزرة غزة؟
عبدالخالق حسين
ليس من السهل على أي كاتب عربي يحترم عقله وعقول قرائه أن يكتب في هذا الموضوع ما لم يلجأ إلى المراوغة وخدع النفس. لأن المبدأ العربي الثابت هو “أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً” وحتى إذا كان أخوك مخطئاً وكلف خطأه هذا آلاف الأرواح من مواطنيه، فيجب عليك في هذه الحالة أن تتخلى عن عقلك وضميرك وتصفق له وتحثه على المضي في ارتكاب المزيد من الخطأ، وتسمي هذه الأخطاء بطولة وشجاعة خارقة والثبات على المبدأ… الخ، أما إذا توخيت قول الحقيقة فأنت تصنف في خانة الخونة وعملاء إسرائيل و”الاستعمار والصليبية والصهيونية الحاقدة”، التهمة الجاهزة في القاموس السياسي العربي.
فليكن أيها السادة، قولوا عنا ما شئتم، فلا بد لنا أن نقول ما نراه حقيقة، فإن ما يجري في غزة هو نتاج ثقافة العنجهية والعنتريات “التي ما قتلت ذبابة”، الثقافة التي عبرها عنها مؤخراً “بطل العروبة” الجديد الصحفي العراقي منتظر الزيدي، أي ثقافة الحذاء. هذا الحذاء الذي صار رمزاً جديداً للعروبة يعتز به الأعراب من المحيط إلى الخليج. إن عقلية تفتخر بالحذاء كوسيلة في حل الصراعات السياسية لا بد وأن تقود إلى المزيد من الكوارث. إذ كما قال تعالى: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”، أي عقليتهم. إن أية قيادة سياسية تستهين بحياة الشعب وبتأثير أيديولوجيا غير قابلة للتطبيق، هي ليست قيادة سياسية، بل هي عصابة من البلطجية والمافيات المجرمة.
إن حماس هي التي قادت الشعب الفلسطيني في غزة إلى حرب غير متكافئة مع قوة عسكرية عظمى في المنطقة. فقوة إسرائيل العسكرية والاقتصادية والثقافية ليست أقوى من حماس بآلاف المرات فحسب، بل هي أقوى من جميع الدول العربية مجتمعة وفي كل المجالات. لذلك أعتقد، وكما قال الرئيس الفلسطيني السيد محمود عباس، أن منظمة حماس هي المسؤولة عن زج الشعب الفلسطيني في حرب غير متكافئة. فمنذ انتهاء الهدنة بين حماس وإسرائيل، وحسبما نشرت وكالات الأنباء، أن حماس أطلقت حوالي 180 صاروخاً على إسرائيل خلال الأسبوع الذي سبق الحرب، ونحو 300 صاروخ خلال شهر قبل ذلك، الأمر الذي استغلته إسرائيل واتخذته ذريعة لشن هذه الحرب الماحقة على حماس والتي يدفع ثمنها أهل غزة العزل.
يقولون أن إسرائيل كانت تريد تدمير حماس وأنها كانت تبحث عن مبرر. فلماذا تتطوع حماس بإعطاء الذريعة لإسرائيل؟ إن صواريخ حماس هي “صواريخ عبثية” كما وصفها الرئيس عباس، فهي صناعة محلية (home made rockets) ليس لها أية قيمة حربية سوى مد إسرائيل بالذريعة لشن حرب ماحقة على الشعب الفلسطيني وبأحدث تكنولوجيا متطورة.
إن قيادة حماس تتاجر بدماء الأبرياء، ففي كلمة متلفزة في اليوم الأول من الحرب، قال السيد إسماعيل هنيه، رئيس وزراء حكومة حماس في غزة، أن هجمات إسرائيل لن تجعل حركته تتراجع (حتى ولو أبادت غزة). إذَنْ فهو مستعد أن يضحي بكل غزة، وهذه متاجرة بدماء الأبرياء وليست تصريحات مسؤولة لقائد يشعر بالمسؤولية الأخلاقية أمام أمن وسلامة شعبه. فمن حق القائد السياسي أن يضحي بحياته إذا أراد، ولكن ليس من حقه التضحية بحياة الألوف من أبناء شعبه العزل مرغمين. لقد تم اختطاف أهل غزة من قبل منظمة حماس، ولا حول لهم ولا قوة. ففي مقابلة مع عدد من سكان غزة قال مراسل راديو بي بي سي البارحة أنه عندما سأل الناس أمام الكاميرات التلفزيونية فيما إذا كانوا يؤيدون حماس فإنهم يلتزمون الصمت، ولكن بعيداً عن الكاميرات يعربون عن سخطهم على حماس ويتمنون التخلص منها.
فمن الواضح أن حماس في غزة، شأنها كشأن حزب الله في لبنان، تعمل كمخلب للقط الإيراني لعرقلة حل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والعربي – الإسرائيلي. لأن النظامين الإيراني والسوري يعرفان أن استمرارهما مرتبط باستمرار الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة، لذلك يدفعان حزب الله في لبنان، وحماس في غزة للقيام بحروب عنهما بالوكالة وبدماء الأبرياء من الشعبين اللبناني والفلسطيني.
فخلال حرب حزب الله مع إسرائيل عام 2006، وصف الرئيس السوري بشار الأسد قادة العرب بأنهم “أشباه الرجال” بينما هو نفسه بقي متخاذلاً، بل ومنع حتى إطلاق أية رصاصة على إسرائيل من الأراضي السورية. ونفس الموقف الجبان يتكرر اليوم بعد أن ورطوا الشعب الفلسطيني في معركة خاسرة معروفة النتائج مسبقاً، إذ وقف البطل العروبي الكارتوني الآخر معمر القذافي ليطلق تصريحات رخيصة فارغة يصف بها موقف نظرائه العرب بـ”الجبان” و انه يجب أن “تختشي هذه النماذج وهذه المواقف المتخاذلة والجبانة والمنبطحة والتي تتاجر في هذه القضية.”
من الواضح أن معمر القذافي وبشار الأسد ومحمود أحمدي نجاد، هم أكثر من غيرهم، الذين يتاجرون بالقضية الفلسطينية بالكلام، وهم الذين ورطوا حماس في هذه الحرب الخاسرة وتركوها لوحدها كما ورطوا حزب الله من قبل، واكتفوا بإطلاق التصريحات الرخيصة التي لا تكلفهم شيئاً، وراح الشعب الفلسطيني المختطف وحده يدفع الثمن. فلحد كتابة هذه السطور في 1/1/2009، بلغ قتلى الفلسطينيين في غزة أكثر من 400، ونحو 2000 من الجرحى، مقابل أربعة قتلى إسرائيليين. يعني حياة كل إسرائيلي تعادل حياة 100 فلسطيني.
لا نريد هنا الدفاع عن الحكام العرب، في عدم نجدتهم لأهل غزة، ولكن من الحق أن نسأل، هل استشارت قيادة حماس القادة العرب عندما واصلت إطلاق صواريخها الخلب على إسرائيل؟ ولماذا لا يتحرك قادة إيران وسوريا وليبيا لنجدتها، فهم وراء التصرفات اللامسؤولة لحماس. إذ لا يمكن للقادة العرب تحمل مسؤولية تصرفات حماس الصبيانية. فقادة حماس يسترخصون أرواح الفلسطينيين الأبرياء ويعرضونهم لقصف الطائرات الإسرائيلية بعد أن اختبئوا هم في مخابئهم الآمنة من القصف، وهذا هو الجبن بعينه. وماذا استطاع حكام سوريا وإيران وليبيا تقديمه لنجدة أهل غزة غير التصريحات الرخيصة التي لا تغني ولا تسمن من جوع؟
أما تصريحات حسن نصر الله الأخيرة ضد الحكومة المصرية، فهي الأخرى لا تقل سخفاً وهراءً من تصريحات أسياده، فهو يلقي اللوم على الحكومة المصرية ويحرض الشعب المصري على الانتفاضة على حكومته. إن حسن نصرالله يعرف قبل غيره، أن تصريحاته هذه لا قيمة لها، وإنما الغرض منها إشباع الغرائز الشوارعية للجماهير العربية المغيب وعيها، وهي أشبه بـ”النصر الإلهي” الذي ادعاه بعد هزيمته المنكرة عام 2006، والذي اعترف فيما بعد أنه ” لو كنا نعتقد، ولو بنسبة واحد بالمئة، أن خطفهما (الجنديين الإسرائيليين) سيؤدي إلى ذلك لم نكن لنقدم بالتأكيد على هذا الفعل”. فهل سيتمتع إسماعيل هنية بالشجاعة ذاتها ليصرح بعد الدمار الذي ألحقه بالشعب الفلسطيني بأنه لو كان يعرف أن صواريخه الفارغة ستؤدي إلى ذلك لما أقدم على إطلاقها على إسرائيل؟
وختاما نعيد ما أكدناه سابقاً، أنه لا يمكن أن تنعم المنطقة بالأمن والاستقرار إلا بحل الصراع العربي – الإسرائيلي. ولا يمكن حل هذا الصراع إلا بإزالة الفاشية الإسلامية في إيران والفاشية البعثية في سوريا.