هذيان وعواطف وشعارات…!؟
جهاد نصره
يعكس الخطاب السياسي والثقافي العربي والإسلامي الذي انبرى في وجه العدوان المدمر على قطاع غزة حقيقة اهتراء وتبلد العقل المنتج له وهي حقيقة بانت واضحة جلية أكثر من مرة وعند كل واقعة جرت على صعيد المواجهة خلال العقود الخمسة المنصرمة من عمر الصراع العربي الإسرائيلي..!؟
سيل من العواطف والشعارات يتدفق باتجاه غزة لا يختلف في شيء عن السيل الأكبر الذي تدفق ولا يزال منذ نصف قرن باتجاه فلسطين كلها بادئ الأمر وباتجاه أقل من نصفها فيما بعد..!؟ لقد بدأت خيبة العقل العربي الإسلامي مع بزوغ فجر أنظمة الحكم الرعوية شبه الدينية إذ كان هذا العقل ولا يزال يعيد إنتاج نفس المعرفة الرثة المعبَّر عنها بالشعارات، والعواطف الجياشة، والإيمانية الدينية والأيديولوجية في حين ظلَّ الهدف الأول لكافة الأنظمة الراعية لهذه المعرفة هو البقاء في سدة الحكم بغض النظر عما يحدث على الأرض من إخفاقات وطنية ومجتمعية…!؟
في حرب الجنوب اللبناني الأخيرة تدفق نفس السيل العاطفي ولم يسعف حزب الله سوى أنه كان قد استعد جيداً للحرب ووقتها ناشد الحزب وغيره من الحلفاء الدول الإسلامية والعربية والجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي والمؤتمر العربي والاتحاد البرلماني وغير ذلك من آليات ابتدعتها الأنظمة العربية الحاكمة كتعويض عن نقص الفعالية المستدام وقلة المصداقية وكغطاء يصلح في كل المواسم لتغطية ما يعتري هذه الأنظمة من عاهات وبالرغم من أن تلك المناشدات كانت على الدوام من دون جدوى فإن ما يظهر اليوم هو اجترار وتكرار لما ثبت بطلانه وانعدام جدواه..!؟
إن المعركة الحالية في غزة هي واحدة من سلسلة من المعارك التي خاضتها إسرائيل و ستخوضها كلما تطلبت مصالح مستوطنيها الأمنية ذلك ولأن الصراع محكومٌ بميزان قوة ظلَّ دائماً لصالحها من حيث أنها مدعومة أمريكياً فإن حركة التحرر الوطني الفلسطيني المفترض أنها مدعومة إسلامياً وعربياً لم تصل حتى اليوم إلى إنجاز حل عادل يضع حداً للصراع بصيغته العنفية ونقول ذلك لأننا نعتقد أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي سيستمر بأشكال أخرى إلى ما لا نهاية بفعل وجود أطراف دينية متطرفة يهودية وفلسطينية ولهذه الأطراف أجندات تمليها معتقدات دينية راسخة رسوخ الأديان نفسها.!
اليوم وإبان هذه المعركة الدموية المدمرة لا نلحظ في سلوك أنظمة الحكم العربية الإسلامية ثمة مفارقة فكل نظام كبر أم صغر ينظر إلى ما يحدث وفق أولياته السياسية التي يعمل بموجبها ومن الغباء بمكان الطلب من أنظمة ندعي فهم بنيتها ومسار صيرورتها الإقدام على عمل لا يتوافق مع تلك الأوليات ( توضح ذلك أكثر من مرة وآخرها في قضية حصار قطاع غزة ) وهذا ما يتحفنا به عند كل واقعة المثقفون الأيديولوجيون المعششون في ربوع البلدان العربية وفيالق كتاب العراضات ومواضيع الإنشاء فمن فرط الحماسة الأيديولوجية والعرضحالجية يترادفون مع سيل العواطف الرسمية و الشعبية المتدفق في الوقت الذي يعمل فيه العدو على تنفيذ ما خطط له محاولاً الوصول إلى تحقيق أهدافه التي وضعها إنها شيزوفرينيا سياسية ثقافوية لا تظهر للعيان عادةً إلا بعد انتهاء المعركة حيث يعود الركب إلى معاودة إنتاج الخطاب السابق كلٌ وفق مساره الآفل.!؟ كيف لعرضحالجي قوموي أو اسلاموي أو عميانوي ( ملتحي العلمانية ) ظلَّ لسنوات يؤكد للمارة من الناس أن هذا النظام أو ذاك هو نظامٌ استبداديٌ ملتحق في المقصورة الخلفية للقاطرة الأمريكية ثم حين تقوم الواقعة ينتظر أو يعتب لأنه لم تندلع النخوة القومية تارةٌ والدينية تارةً أخرى والوطنية الخالصة تارتين وكأنه يطلب بكل فجاجة أن ينقلب أرباب الأنظمة على مصالحهم، وبرامجهم، وأجنداتهم التي كانوا قد عملوا السبعة وذمتها لتمتين بنيانها، وضمان رسوخها، وتأمين ديمومتها…!؟
أما عن المعركة ذاتها فإنه من البداهة أن تكون دموية اللهم إلا إذا كان التاريخ الإنساني شهد معارك طاحنة كانت أدواتها أغصان زيتون وأسراب يمام…!؟ والمفارقة التي تكمن في هذا الجانب أن العقل السياسي العربي الإسلامي الذي أنتج ودبَّج في نصف قرن ما لا يحصى من مؤلفات فقهية سياسية وتنظيرية عن نازية الصهيونية ودرجة توحشها تفاجئه وتدهشه دموية هذه الصهيونية عند كل معركة كما هو حاصل اليوم وكالعادة فإن درجة الاستنكار والشجب وصخب الإدانة تكبر وتزداد بما يناسب دموية العدو والباقي على الله الذي لم يستجب يوماً لدعاء الكسالى ولا هو أعاد أرضاً محتلة لأصحابها.!؟
اليوم والعدو الإسرائيلي منشغلٌ جزئياً في هذه المعركة المفتوحة والتي لن يوقفها قبل إنجاز أهم ما يريده وهو ضمان تأمين الحماية لبضعة مستوطنات بمستوطنيها ولزمن طويل، وفي هذه الأيام التي تقوم فيها الإدارة الأمريكية بتوضيب حقائبها، فإنه قد يكون التوقيت المناسب لكل من عنده (( شبر )) أرض محتل أن يطلق مقاومة كيفما كان شكلها بهدف استرجاع وضمان الحقوق الوطنية وحماية المواطنين الرابضين تحت نير الاحتلال….!؟ هذا هو جوهر الموضوع وفي هذا يكمن أفضل تضامن وأفعل انتصار لأهالي غزة الذين لن تغنيهم كثيراً دموع المتضامنين ولا شعاراتهم مهما علا الصوت من جوع وخراب بالرغم من ضرورة ذلك وأحقيته هذا هو المحك لا أكثر ولا أقل.!؟