الى متى يدفع الشعب الفلسطيني دماء لا تنتج تحريرا
محمد زكريا السقال
لم يكن الهجوم البربري الذي شنته قوات الاحتلال الصهيوني مفاجئاً، بل على العكس من ذلك فالهجوم جاء بعد حصار قاس وتجويع وقطع كل سبل الحياة عن ما يقارب مليون ونصف من الشعب الفلسطيني في غزة، ولم يحتاج جيش الاحتلال لكثير من المبررات ليطلق بربرية قواته، فالظروف كلها مكتملة من الانشقاق في الساحة الفلسطينية الذي قدر له أن يصل لطريق مسدودة وكأن هناك إرادات فوق الهواجس الفلسطينية لا ترغب في كبح الطرفين الفلسطينيين لأن يتوافقوا على برنامج وطني يجسد الوحدة الوطنية التي لا تستقيم دون النظر في عبثية المفاوضات العبثية التي يناور بها الاحتلال ويقضم في ظلها الأراضي ويفرغ القدس من مواطنيها العرب ويستمر في بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية، بالوقت الذي يجب على الطرف الأخر ،، الحكومة ,, لجم إندفاع الآخر من خلال عقلنة الصراع وقياس موازين القوى وحالة التردي والانهيار العربي ، إذا لم نقل التواطؤ والذي اصبح مكشوفا وعاريا، وهنا لا بد من التوضيح من أجل عدم الالتباس، أي أن إبداع برنامج وطني فلسطيني مرحلي وواقعي يقوم على التمسك بالقضية الفلسطينية كقضية أرض محتلة ويراد لها حلا عادلا يقوم على إقامة دولة ذات سيادة وعاصمتها القدس وتفكيك مستوطنات قطعان المستوطنين من كامل أراضيها وعودة اللاجئيين إلى ديارهم، هذا البرنامج الذي إذا ماقدر له النجاح في ظل اختلال موازين القوى القائمة يستطيع أن يؤمن سياق نضالي يحقق وحدة الشعب الفلسطيني في ظل برنامج قادر على الخطاب والتجنيد العربي والعالمي وحماية الشعب الفلسطيني الذي يترك محاصرا وظهره للحائط، هذا الحديث قلناه في أكثر من مقال وها نحن نكرره اليوم ونحن نحشد الجماهير والشعوب لإنقاذ شعبنا في غزة .
اليوم ونحن نعيش هذه المجزرة البشعة التي ترتكب بحق شعبنا في غزة ونرقب العملية السياسية التي افرزتها والسياق الذي ستفضي آليه سنجد أننا على أبواب الحفرة التي انطلقنا منها ولكننا وللأسف سنكون قد قدمنا من شعبنا العظيم مئات الشهداء والضحايا على أعتاب هذا العبث السياسي الذي اسمه الفتحاوي والحمساوي الذي أخسرنا الكثير من الزوايا والمجالات التي كان لنا أن نتحرك بها من أجل أن نبقي القضية في مربعها الثاني وهي قضية الاحتلال في انتظار إنضاج مربعها الأساسي وهي أنها قضية عربية بامتياز تقوم على تحرير قلب المنطقة من رأس المشروع الامبريالي العالمي في المنطقة.
نظرة في الحراك السياسي
لم تكن العملية السياسية خارج السياق السياسي الذي ابتدأت عوامله تحبو في المنطقة خلال الأشهر المنصرمة من هذا العام حيث فك طوق العزلة السياسية المفروضة على النظام السوري المتهم برأس حربة المشروع الاقليمي في المنطقة والممثل بايران وسوريا وحزب الله وحماس أو كما يحلو للنظام السوري وبعض القوى تسميته بقوى الممانعة، إن فك العزلة هذه عن النظام من قبل فرنسا ممثلة بالرئيس ,, ساركوزي ,, الذي أدخل النظام للأوروبيين كمفتاح للمنطقة، جاء عكس رغبة الأمريكيين الذين عبروا عن امتعاضهم ولكنهم قرروا تأييد المفاوضات السورية الاسرائيلية الغير مباشرة عقدة أوروبا لإنجاز مشروع الاتحاد من أجل المتوسط، بالوقت الذي بقيت به العلاقات السورية السعودية المصرية متوترة بل بدأت تطفو على السطح والتي تفجرت إثر اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي أعقب المبادرة المصرية بدعوة الأطراف الفلسطينية للاجتماع والتحاور برعاية مصر للوصول للاتفاق بين الأطراف لتجاوز الخلاف قبيل انتهاء فترة الرئاسة الفلسطينية والتي يبدو من خلالها التمديد للرئيس عباس رغبة عربية لمصر والسعودية وأوروبا وأمريكا لاستكمال المفاوضات الغير واضحة وغير مجدية في آن واحد . بالوقت الذي تضعف المفاوض السوري الذي أمل أنه سيحصل على كل شيئ مقدما وهو أمر ليس بيد الأطراف التي تتحرك في ظل انشغال الادارة الأمريكية بعملية انتقال الرئاسة ويدرك النظام ذلك فقد كرر اكثر من مرة اتفاق ومفاوضات ترعاها أمريكا وتوقع عليها، وأمريكا مشغولة، وهذا أمر أو فراغ يدركه كل الأطراف ويتسابق لفرض أمر واقع إلا الفلسطينيين للأسف .
تدور الآن معركة غير متوازنة، والأمريكان يطلقون يد الصهاينة بكل صلافة ووقاحة في غزة والشعب الفلسطيني والأوروبيين يؤيدون منفردين ويتحركون كاتحاد أوروبي من أجل تهدئة الوضع من خلال اقناع النظام السوري بالضغط على حماس التي لايمكن للنظام التفريط بها بهذه المرحلة والسعوديين والمصريين يريدون للنظام الدخول لحلفهم وطلاق ايران وتطويع حزب الله وحماس من أجل مواجهة المد الأيراني في المنطقة الذي تستثمره لتمرير مشروعها الذي لا يحظى بموافقة أوروبية أمريكية والأكثر كيدا اسرائيل .
ما نريد قوله من هذا السرد الذي يمكن أن نتوسع به أكثر أن حلا عادلا للقضية الفلسطينية ليس مطروحا وليس واردا في المدى المنظور على مستوى موازين القوى التي تتحكم في المنطقة، بل هناك خوف على القضية في ظل هذا الصراع الأحمق بين السلطة الواهمة إذا افترضنا حسن النوايا والحكومة الواهمة أيضا. واقع الحال المتوفر حاليا لا يعطي لا دولة ولا تحرير، ولنعطي مثالا وهو تصريح الرئيس المصري الذي قال بكل وضوح لا يمكن فتح المعبر بل طالب بفتح كل المعابر بظل توافق أوروبي والسلطة ومصر، والرئيس السوري طالب بفتح كل المعابر أيضا القضية واضحة فتح المعابر والابقاء على حماس بالنسبة للنظام السوري * وفتح المعابر ودخول حماس برنامج السلطة بالنسبة للنظام المصري وفي الحالين لا حلول بل المزيد من الدماء والعبث، ما هو مطلوب إذا ما هو مطلوب قلناه توافق فلسطيني على برنامج وحدة وطنية يحافظ على الثوابت الفلسطينية ويخوض نضالا من طراز جديد بانتظار تغير موازين القوى وهذا لا يعني مطلقا إلا مزيدا من النضال ولكن برؤية جديدة وخطاب جديد وتوجهات جديدة، إلا أن رهانه لن يكون على النظام العربي.
• من المفيد أن نقول أيضا أن النظام السوري أوقف المفاوضات على أثر الهجوم الغاشم على غزة ، متناسيا هو وحماس والكثير من الأطراف الفلسطينية أن هناك أراض سورية محتلة وتنتظر منذ أكثر من أربعين عاما تحريرها ، ومن المؤسف أيضا أن تتجاهلها أيضا اطراف المعارضة السورية التي صدرت بيانات تضامن مع الشعب الفلسطيني .