أفكار وتونس تنتفض
محمد زكريا السقال
ما أن التهب الشارع التونسي العظيم منتفضا على الإستبداد منتصرا للحرية والحياة الكريمة حتى أصابتني حمى الأمل. فالأمل عدوى جميلة تلوح مشارفه لكل شيء جميل وسار. تدب بك الحمية وتلهج وراء التقصي والمتابعة، تهرطق…تهذي…وكثيرا ما تكون الهرطقات بداية التحفيز والإنطلاق. تتصل بالأصدقاء تؤكد فرحك بفرحهم واهتمامهم فيكبر الأمل وتتدفق الدماء حيوية لتبحث عن دور ما، عن اي شيء يدفع بهذه الجموع التي خرجت بعد سبات طويل، خرجت واليأس يأكل مهجنا لدرجة أصبحنا نعتقد أننا طينة خاصة، وعجينة غير عجينة البشر. البشر الذين كسروا حواجز الخوف ومزقوا ديماغوجيا الحزب والقائد الذي سلبهم إنسانيتهم وآدميتهم، ولكنه حصل وحملت تونس لواء المبادرة لتضاهي بانتفاضتها ثورة عظيمة لا تقل عن الثورات التي تملئ دروسها الكتب، بل وتضاهيها زخما وإسلوبا وثقافة، وأن تحصل ببلد عربي تضعه الرأسمالية على قائمة أعمالها وتدس له كيان عسكريا عنصريا، وتدعم ديكتاتورياته وتسهر على أمنهم وحمايتهم فهذا يعطي انتفاضة تونس زخما كبيرا وتصبح جديرة بالمباركة والدعم والحضانة. فانتفاضة تونس المجيدة هي الفتح الأول لحركة الشعوب العربية منذ مطلع القرن الماضي ولهذا التاريخ ، حيث عاش الشعب العربي حياة الإنقلابات العسكرية وما فرضته من حياة استثنائية، لدرجة أصبحنا استثناء بين شعوب العالم، كما أن الأمراض والأدواء التي تعيث بأوطاننا هي أمراض لا تبشر بخير فمجتمعاتنا تتشظى وتنشطر لقبائل وطوائف وأقليات تتناحر، مما يجعلنا نتقهقر للوراء غير مدركين حجم التطورات الهائلة والتقدم السريع الذي حققته الأمم والشعوب. وها هي تونس تقدم النموذج الصحيح والصحي لوحدة المجتمع فتتوحد على رفض الجوع والتهميش وانتشار الفساد والعفن للأنظمة ورفض منطق الترهيب وتطالب بالحرية وسيادة الدستور وتطبيق القانون وهذا يشكل اجماع وطني ووحدة وطنية قوية فوق الدين والعرق والطائفة، فالوطن للجميع.
فكيف يمكن لنا أن نحمي هذه الأنتفاضة وما الذي يمكن أن نقوم به، هذه الأسئلة كانت حوارات ونقاشات مع كل الذين يحلمون بوطن أمثالي، كل الذين ينتظرون شرارة تغيير جوهري ذو معنى بهذه الأمة الثكلى والمصابة. وحيث لا أدعي القدرة والحق على إعطاء الدروس، فانا مازلت أتعلم وقد بهرتني حركة الشعب التونسي ومنها نتعلم. لهذا قلت أن افضل ما نقدمه لهذا الشعب هو التغني بثورته وجعلها محفزا يوميا لنا من خلال الكتابة عنها وتقصي خطواتها وتمييز خطاباتها، واعتقد أن كل المواطنين العرب وخاصة المثقفين من مفكرين وأدباء وصحفيين وشعراء وفنانين، يجب أن يجندوا أنفسهم لإظهار زخم هذا الحدث، وعليهم أن يجعلوه ثقافة يومية لكل مواطنيهم عسى أن تقدح شرارتها ساحات أخرى وتحفز قوى وشعوب على النهوض والإنتفاض وبنفس الوقت تحصن تونس وتعطيها ثقتها بنفسها من خلال صحة وسلامة خطوتها .
كما علينا أن نتوجه للإخوة والأشقاء بتونس مطالبينهم بفتح ملفات الفساد والإستبداد ونشر كل العفن والقمع الذي مورس عليهم على أرضية التاريخ الأسود الذي يجب عدم العودة إليه، بما يعني تحويل تاريخ هذا الإستبداد لرواية يتعلمها الأطفال والأجيال، تكتب عنها البحوث وتخط بها الروايات والقصص وترسم لها اللوحات وتفتح المعارض. كي يكون بمدرك الشعب التونسي أن هناك حقبة سوداء يجب أن لا تعود، ساد بها الظلم وقمع بها المواطن ذل وأهين وجاع. وذلك من خلال الإصرار على صياغة دستور حديث يلم بكل حقوق وواجبات المواطنة وحماية الحريات وصيانة العدالة.
كما أن حوارا مع القوى التونسية ومؤسساتها المدنية يغني ويفيد بتوسيع رقعة الفهم الوطني والحياة المدنية وينشر ثقافة خارج ثقافة التمزيق والتشظي المذهبي والعرقي ويعزز التماسك الوطني.
كانت تونس و اليوم مصر و غدا اين