لماذا لا تكون القمة الأخيرة؟
محمد زكريا السقال
التهديد بإفشال القمة المنعقدة في دمشق ، لم يكن وليد لحظة وظروف برزت فجأة في سماء المنطقة العربية ، حيث الانقسام العربي أيضا لم يكن أيضا فجأة ، إلا أن المفارقة التي لا يعيرها الأعلام والنخب ، إن القمة العربية فقدت دورها الوظيفي منذ أمد بعيد ،
بل لقد لعبت القمة دورا من السلبية ، حيث مكنت من ستر عورة النظام العربي ، الذي استجاب لمنطق التسوية السياسية منذ السبعينيات ، بما يعني ، أن يأخذ هذا النظام الغير شرعي على عاتقه ، تطويع المنطقة ، وترتيبها لهذه التسوية ، بما تعني التعاون الوثيق لتأمين الثكنة الصهيونية ،وتأمين مصالح الرأسمال العالمي ، الذي اخذ على عاتقه بدوره تأمين استقرار هذا الاستبداد من خلال السكوت على كل تجاوزاته واختراقاته لكل مقومات المجتمع الحديث ، من خلال استهتاره بحقوق الإنسان وسيادة القمع وقوانينه الاستثنائية ومحاكمه .
لقد كان العرب مجمعون على أمريكا ، ومختلفون على أمريكا ، لم يكن الخلاف العربي ومنذ السبعينات إلا كيف ترضى أمريكا ، يضرب الفلسطينيون من اجل أمريكا ، ويحتل لبنان من أجل أمريكا ، وتعقد القمة من اجل أمريكا ، تضرب إيران من أجل أمريكا ، يدمر العراق بعد أن أدى دوره من أجل أمريكا ، يذهب العرب إلى مدريد من اجل أمريكا ، يعزل عرفات ويقتل من اجل أمريكا ،، رغم رهانه الطويل على أمريكا ،، اليوم الممانعون يسترضون أمريكا ، وعرب أمريكا يشدون أزر أمريكا ، وأمريكا هي التي تقرر ، تقسم وتأمر وتنهي ، قد لا تعجب البعض الحصص ، هذا شأنه وعليه أن يستقيل ، يذهب للجحيم ، يغضب البعض من دعم إسرائيل وغطرستها ، هذا غير مقبول ، وغير مسموح وعليه أن يتحمل النتائج ، والكل سامع شاخص ، المغبون يحاول أن يتشدق عن أدواره السابقة ، وما يمكن أن يوكل إليه لاحقا ، شرط أن يعجب أمريكا ، وأمريكا هواها متطلب وغير قادرة على الهوى العربي المتخلف .
ماذا يمكن لهذه الملايين العربية ، أرقام عربية تتجاوز الثلاث مائة مليون ، بماذا تحلم وكيف تعيش ، وأية غلاء و جوع و فقر ، و عطالة عمل ، هذا غير مدرج على أعمال القمة ، سرقت مياه لبنان ، ونفط العراق ، هذا لا علاقة له بالتضامن العربي ، ازدياد المستوطنات بالجولان ، هذا غير مدرج بالخطة العربية ، حصار الشعب الفلسطيني ، وتجويعه ، واستفراده أمام همجية جيش الكيان المدجج بأقوى ترسانة عسكرية بالعالم ، هذا موافق عليه ومطلوب أن ينفذ من أجل أمن إسرائيل . لماذا القمة العربية إذا إذا كانت لا تستطيع حل مشكلة دافور ، التي يمكن لبضع مليارات ، أن تحل بمشروع تنمية ، مشكلة منطقة عربية ، أكبر مساحة من فرنسا ، و سودان يوازي مساحة أوروبا ! السودان يمتلك من الثروات ما ينعش المنطقة العربية كلها ، مشاريع وعمالة ، وثروة ، لماذا يترك لأمريكا أن تقرر شؤونه ، الثروة العربية كلها منهوبة ، ولا ينال منها أصحابها الحقيقيون إلا الفتات .
لهذا فالقمة التي تعقد ، وتدب الخلافات فيها ، هي من اجل كيف نليق بأمريكا ، أو لا نليق ، كيف تحمي أمريكا أنظمتنا ، وكيف تقرر أمريكا عدم صلاحيتها ، هذه قمة أمريكا إذا ، كيف نقاتل إيران وكيف نصد الخطر الشيعي ، كيف يكون لبنان عربيا ، وكيف نلغي المحكمة الدولية ، هذه قمم أنظمة لا تعير شؤون مواطنيها أية اعتبار ، ولهذا أكدت استطلاعات الرأي أن الغالبية العظمى من المواطنين العرب لا تهمهم القمة العربية من قريب أو بعيد .
إلا ما يمكن فعله هو أن يكون لممثلي الشعوب قمتها ، وأهدافها والتي أقل ما يقال فيها هو ، مؤتمر مواز لهؤلاء الممثلين ، ينشرون به فساد هذه الأنظمة ، وعهرها ، وقمعها ، وتجاوزاتها وسرقاتها وتبذيرها للثروة العربية . كان من المضحك ، أن أقرأ بيان صادر عن الأمانة العامة للأحزاب العربية ، تطالب فيه هذه الأنظمة الغير أمنة وغير مأمونة بإلغاء المبادرة العربية ، من هذه الأحزاب العربية التي مازالت تراهن على النظام العربي ، وأين هذه الأمانة العامة لهذه الأحزاب من مواطنيهم ، والظلم والجوع الذي يعيشون به ، أين هذه الأحزاب من قضية حقوق الإنسان والدستور ، والتحديث ، بما يعني النهوض الذي لن يكون إلا بتغيير يصيب بنية هذه الأنظمة .
ويل لأمة يصاب مثقفيها ونخبها بالنفاق ، وتصاب أحزابها بالانتهازية .
نعم لمشروع عربي يكون ردا حقيقا لكل مايخطط لهذه المنطقة من مشاريع تقسيمية وتفتيتية ، وطائفية مذهبية ، مشروع يعمل على إعادة الأعتبار للإنسان وحريته بما هي مقياس لحرية الوطن وسيادته .
خاص – صفحات سورية –