سورية والجهاديون: من انقلب على الآخر؟!

محمد أبو رمان
الدلالة الأولى لحادثة الاشتباك الأخيرة بين قوات سورية و”مسلحين إسلاميين متشددين”، في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين جنوب دمشق، أنّها جاءت بعد أيام فقط من تفجير لسيارة مفخخة ذهب ضحيته عشرات القتلى والجرحى وألقت السلطات السورية المسؤولية على “تكفيريين”.
إذا قبلنا الرواية الرسمية، بعيداً عن فرضية “تصفيات داخل النظام نفسه”، فإنّ السؤال المطروح اليوم: هل تحولت سورية من ممر للقاعدة والمجموعات التي تدور في فلكها إلى مقرٍّ لها؟ وهل انتهى شهر العسل “الضمني” بين الطرفين وبدأت فصول من المواجهة العسكرية والأمنية؟ ما يطرح بدوره سؤالا آخر عن توافر “الحاضنة الاجتماعية” لهذه الجماعات؟
للتذكير؛ فإنّ الحوادث الأخيرة ليست الأولى من نوعها. فقبل عامين أعلنت السلطات السورية عن مواجهات مع مجموعة متشددة قرب مبنى مهجور للإذاعة في دمشق.
الفرضية الأولى في تفسير المواجهات الأخيرة أنّ الحكومة السورية تدفع اليوم ثمن “الضربات الارتدادية” لتسهيلها خلال السنوات السابقة عمليات مرور مجموعات كبيرة من القادمين من العديد من الدول العربية للقتال في العراق، ضمن “تنظيم القاعدة”، بخاصة في السنوات الأولى من الاحتلال الأميركي، حيث عملت الحكومة السورية جاهدة على إفشال المشروع الأميركي خوفاً من تداعياته الإقليمية التي كانت ستنال سورية بصورة مباشرة.
لم يقتصر الدور السوري، سابقاً، على تسهيل عبور “المقاتلين العرب”، حيث غُض الطرف الرسمي- كذلك- عن تشجيع وتعبئة مئات الشباب السوري واللبناني، والفلسطيني في المخيمات، الذين سافروا إلى العراق، في مرحلة الحرب وما بعدها.
يبدو أنّ الحكومة السورية أوقفت هذا الدور وبدأت بضبط حدودها مع العراق، وتسليم المقاتلين إلى دولهم منذ بدايات عام 2006، وأخذت في التضييق على الداخلين والخارجين من العراق، فعلقت أعداد منهم في كل من سورية ولبنان، نتيجة تراجع القاعدة وانحسارها في العراق، ما أدّى إلى تزايد الهجرة المعاكسة، وعدم قدرة أو رغبة هذه المجموعات بالعودة إلى بلادها حيث السجن والاعتقال، وربما التعذيب.
قد يكون حادث اغتيال د. محمود أغاسي، أبو القعقاع، نقطة تحول في إنهاء السوريين لهذا الملف السري، بخاصة أنّ الرجل، الذي قُتل بصورة غامضة قبل قرابة عام، كان يُعتقد أنه المسؤول عن تجنيد الشباب السوري وتسهيل مهمة الشباب العربي الذاهب إلى العراق.
التحول في الدور السوري أدى إلى شرخ في “الصفقة الضمنية” مع “الجهاديين”، وبدأت نتائج ذلك تنعكس خلال السنتين الأخيرتين من خلال المواجهات بين الحين والآخر، وربما تجسّدت بصورة ملموسة وكبيرة داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان (كتنظيم “فتح الإسلام”)، إذ تشكل البيئة الأمنية الرخوة التي يمكن أن تستقبل “فلول القاعدة” وتحتضن “الجيوب العالقة”.
السؤال الذي تطرحه مواجهات مخيم اليرموك الأخيرة: فيما إذا كانت عدوى صعود “السلفية الجهادية” قد انتقلت من المخيمات الفلسطينية في لبنان وغزة إلى سورية، بخاصة أنّ تنظيم “جند الشام” (في مخيم عين الحلوة)  لعب دوراً كبيراً في تجنيد الشباب الراغب بالذهاب إلى العراق، ما يثير فرضية وجود تواصل بين أنصار هذا التيار داخل المخيمات الفلسطينية في البلدين من ناحية، ومدى توافر الحاضنة الاجتماعية لهذا التيار في المخيمات الفلسطينية في سورية، من ناحية أخرى.
المشكلة السورية مع “الجهاديين” لا تقتصر على “المخيمات الفلسطينية”، بل قد تمتد أيضاً إلى المجتمع السوري نفسه! فبالإضافة إلى مئات الشباب السوري العائدين من المشاركة مع القاعدة في العراق، فإنّ ازدياد تأثير الفكر السلفي الجهادي يبدو جلياً للمراقبين في العديد من المناطق السورية، بخاصة الريفية، حيث الفقر والبطالة وانتشار حالة من التدين العام، فضلاَ عن الأزمة السياسية ذات الطابع البنيوي منذ سنوات طويلة.
بلا شك، فإنّ “الظاهرة الجهادية” لم تبلغ درجة القلق الكبير في الداخل السوري، حتى مع ازدهارها على جانبي الدولة (العراق، لبنان)، ولم تصل بعد لاعتبارها “حالة أمنية” صاعدة، لكن هذا لا ينفي إمكانية انتشارها لاحقاً، مع توافر شروط اجتماعية وسياسية، بالرغم من “القبضة الحديدية” للأمن السوري على البلاد.
أتقنت “السلطات السورية” التحكم في مدخلات لعبة “القاعدة”، ووظفتها خلال المرحلة السابقة بتفوق، لكنها لا تملك التحكم بمخرجاتها، بخاصة إذا قررت القاعدة إنهاء الصفقة السابقة بصورة حاسمة، في ظل بروز “سجالات” حول انتشار ظاهرة التشيع في العديد من المدن السورية وتوافر مداخل كبيرة للتعبئة الطائفية والمذهبية ضد النظام.
الغد الأردنية