حرية الرأي في خطاب الإسلاميين
رضوان زيادة
تشكّل الحركات الإسلامية اليوم رقماً سياسياً لا يمكن تجاوزه ووزناً جماهيرياً من الصعب تجاهله أو إنكاره كما تفعل أنظمة عربية التي تفضل التعامل معها على المستوى الأمني وتنكر وجودها سياسياً. لقد امتلك خطابها قدرةً هائلة على التعبئة والحشد الجماهيري وتحريك المتخيل الجمعي، وهو ما استدعى الباحثين الى دراسة هذا الخطاب وتحليل مكوناته ومعطياته، لا سيما بالمقارنة مع مــفاهيم الحداثة الســياسية كالــديموقراطية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان وغيرها. فدرس علاقة الإسلاميين مع هذه المفاهيم يكشف قدرة أدائهم السياسي على التطور وبالتالي قابليتهم لتبني هذه المفاهيم السياسية المستجدّة، لذلك رأينا أن نعمد إلى تحليل وتفكيك خطابهم ومقولاتهم لنرى مدى الاهتمام الذي أبدوه في مــسألة جــوهرية مركزية هي حرية الرأي والتعبير وموقفهم منها.
ودراسة تأثير الحركات الإسلامية بالغة الأهمية بالنظر إلى تأثيرهم الاجتماعي والثقافي، ومن ثم قدرتهم على استخدام الرأسمال الرمزي الديني لجبه خصومهم أو رفضهم، وهو ما يترك تأثيرات بالغة السلبية في الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
عرّف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته (19) حرية الرأي والتعبير بأنها «حرية اعتناق الآراء من دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة من دون تقيد بالحدود الجغرافية»، فيما أشار العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966 إلى أن «لكل فرد الحق في حرية التعبير وهذا الحق يشمل حرية البحث عن المعلومات أو الأفكار من أي نوع واستلامها ونقلها بغض النظر عن الحدود، وذلك إما شفاهة أو كتابة أو طباعة سواء كان ذلك في قالب فني أم بأي وسيلة أخرى يختارها». لكن العهد الدولي ربط ممارسة هذه الحقوق «بواجبات ومسؤوليات خاصة، وعلى ذلك فإنها قد تخضع لقيود معينة، ولكن فقط بالاستناد إلى نصوص القانون التي تكون ضرورية:
من أجل احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم.
من أجل حماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق.
فالعهد الدولي، إذاً، شرط ممارسة حرية الرأي والتعبير بضوابط هي مجال نزاع بين السلطات الثلاث داخل مؤسسات الدولة. فالسلطة التنفيذية غالباً ما تحاول أن تطغى على المجال العام عبر ممارساتها السلطوية المختلفة والتي تفضل أن تتم بأقل مقدار من النقد والتركيز تحت الأضواء، فيما تجد الصحافة ووسائل الإعلام نفسها في حال الدفاع عن النفس أمام هجوم السلطة التنفيذية وعدم انطوائها تحت رغباتها.
ولطالما اعتبرت الإعلانات العالمية لحقوق الإنسان في نظر الحركات الإسلامية تعبيراً عن ثوابت الثقافة الغربية وخصوصيتها، وهي ثوابت تختلف كثيراً أو قليلاً عن ثوابت وخصوصيات الثقافات الأخرى، من هنا بدأ الطعن في «عالمية» حقوق الإنسان كما تبشر بها تلك الصيغ على ألسنة تعبر عن الثقافات والحضارات الأخرى، وتمثَّل جانب ردِّ الفعل في العالم العربي بمبادرات عملت على صياغة لوائح لحقوق الإنسان في الإسلام أو من وجهة النظر الإسلامية مثل:
– إعلان حقوق الإنسان وواجباته في الإسلام الصادر عن رابطة العالم الإسلامي عام 1979.
– البيان الإسلامي العالمي الصادر عن المجلس الإسلامي الأوروبي في لندن عام 1980.
– مشروع وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام الذي قُدم إلى مؤتمر القمة لمنظمة المؤتمر الإسلامي في الطائف في كانون الثاني (يناير) 1989.
– مشروع حقوق الإنسان في الإسلام الذي قُدم إلى المؤتمر الخامس لحقوق الإنسان في طهران في كانون الأول (ديسمبر) 1989، إلى جانب مبادراتٍ أخرى مماثلة.
ولما كان حق ممارسة حرية الرأي والتعبير هو الحق المركزي في مواثيق حقوق الإنسان الدولية، فإن الموقف منه بالنسبة الى الحركات الإسلامية اتسم دائماً بالغموض، ففي الوقت الذي يتصدر البيانات والمواثيق الإسلامية مبدأ احترام حرية الرأي والتعبير يكون هذا الحق أول ضحايا هذه الحركات على مستوى الممارسة العملية، ولذلك وجدت هذه الحركات نفسها في مجالات ونقاشات ومعارك فكرية وسياسية بغية تحديد رؤيتها، ثم موقفها من مسألة حرية الرأي والتعبير في شكل خاص ومن مفهوم حقوق الإنسان في شكل عام، وهنا تندرج أيضاً موضوعات الموقف من المرأة والأقليات والردة.
ويمكن القول إن هذه الحركات لم ترفض مفهوم حرية الرأي والتعبير، لكنها أكدت على نسبيته وضرورة أن يختلف مداه بحسب كل ثقافةٍ على حدة، وأنه لا يوجد معنى إنساني عام للمفهوم .ثم غالباً ما كانت تربطه بسلامة المجتمع واستقراره.
يعتبر محمد الغزالي «أن حقوق الإنسان في الإســلام – وبالمركز منها حرية الرأي والتعبير – ليــست مــنحة من ملك أو حاكم، أو قراراً صادراً عن ســلطة محلية أو منظمة دولية، وإنما هي حقوق ملزمة بحكم مصدرها الإلهي، لا تقبل الحذف ولا النسخ ولا التعطيل ولا يُسمح بالاعتداء عليها ولا يجوز التنازل عنها» .
أما علي عبدالواحد وافي فيؤكد «أن الإسلام هو أول من قرر المبادئ الخاصة بحقوق الإنسان في أكمل صورة وأوسع نطاق، وأن الأُمم الإسلامية في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) والخلفاء الراشدين من بعده كانت أسبق الأمم في السير عليها، وإن الديمقراطيات الحديثة لا تزال متخلفة في هذا السبيل تخلفاً كبيراً عن النظام الإسلامي».
* باحث زائر في جامعة هارفرد، والنص من ورقة قدمها في ورشة عمل حول «الدين وحرية التعبير في العالم العربي»، بتنظيم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في فرنسا – باريس