تفصيل بسيط
ساطع نور الدين
لم تفتح الجبهة اللبنانية. صدر امس التحذير الجدي الاول بانها يمكن ان تفتح في أي لحظة من الآن فصاعدا. القرار متخذ من قبل جميع الاطراف من دون استثناء. اما التنفيذ، فإنه يمكن ان يعتمد على عنصر المفاجأة اكثر مما يمكن ان يستند الى تطور الحملة العسكرية الاسرائيلية الوحشية على قطاع غزة. وهو عنصر يتضمن الكثير من الفوارق الجوهرية عما جرى في حرب تموز العام .٢٠٠٦
لم يعد هناك شك في ان لبنان طرف في الحرب الدائرة في قطاع غزة، وسيكون شريكا في النصر او الهزيمة، اكثر من أي طرف عربي او اقليمي آخر. وقد صدرت اشارات اسرائيلية توحي بان لبنان هو الهدف التالي، كما صدرت اشارات لبنانية تؤكد ان لبنان لا يمكن ان يظل ساكتا على المذبحة الكبرى التي يتعرض لها الفلسطينيون في القطاع، يكتفي بالتظاهرات والاعتصامات وبيانات الاستنكار، مثله مثل أي بلد عربي او اسلامي او حتى اوروبي..، وإلا فإنه يفقد موقعه ووظيفته المحددة منذ اربعة عقود.
لكن الجهود المبذولة في هذه اللحظات لتفادي الحرب، تملك فرصة حقيقية للنجاح، لاسباب لبنانية واسرائيلية لا جدال فيها، ما يمكن ان يحصر ردود الفعل في حدودها الدنيا، التي يعرفها لبنان جيدا منذ ان انطلق الصاروخ الاول عبر حدوده الجنوبية في اتجاه المستوطنات الاسرائيلية، وجاء الرد عليه بقصف مدفعي على مواقع الاطلاق، او بغارة جوية على بعض مراكز او حتى على مخيمات فلسطينية داخل الاراضي اللبنانية… من دون اللجوء الى خيار المواجهة الشاملة.
يمكن الالتزام بمثل هذا السيناريو التقليدي، الذي اعتمد لعقود طويلة على الحدود اللبنانية الجنوبية، والذي كان ولا يزال يتيح لجميع الاطراف تسجيل مواقفهم او حفظ حقوقهم على طاولات التفاوض المقبلة، من دون المس بموازين القوى الكبرى التي تحكم الصراع في غزة وتعتبره معركة عسكرية وسياسية محدودة، وفي بقعة جغرافية معزولة، وتهدف الى تحقيق اهداف محددة، لا تطال حتى الفلسطينيين جميعا، بل مجموعة منهم!
وفي مثل هذا السيناريو الذي تجدد امس، يمكن لاسرائيل ان تزعم انها لم تتسامح ابدا مع هذا التهديد لمستوطناتها الشمالية، وهي لا تزال قادرة على استخدام آلتها العسكرية على الجبهة الشمالية، كما يمكن للمقاومة اللبنانية ان تعلن انها سمحت للفلسطينيين بأن يعبروا عن تضامنهم مع اشقائهم في قطاع غزة، وان يساهموا ولو بالحد الادنى في تخفيف الضغط الهائل عليهم.. وهي ميزة الجبهة اللبنانية وتاريخها المسجل والمعترف به من قبل الجميع.
لن تفتح هذه الجبهة على مصراعيها، برغم النافذة الصغيرة التي فتحت امس.. لان الحرب مع لبنان، لم تعد خيارا يمكن حصره في النطاق اللبناني الضيق، الذي يمكن ان يصبح مجرد تفصيل بسيط، بالمقارنة مع ما يمكن ان تشهده سوريا وايران خاصة، اذا ما تبين ان الصواريخ التي اطلقت من جنوب لبنان والرد الاسرائيلي عليها، لم تكن مجرد تنفيس عن غضب.
السفير