خطوط الاتصال .. باردة
جورج علم
خطوط الاتصال مفتوحة مع نيويورك، وكانت المحصلة حتى بعد ظهر أمس: مشروع القرار العربي يخضع للتنقيح والتعديل، والوفد الوزاري العربي، ينتظر من القاهرة محصلة الاتصالات مع وفدي حماس وإسرائيل، فيما تل أبيب ماضية في عدوانها وبتنسيق محكم مع الإدارة الأميركيّة.
لقد حافظ الوفد الوزاري العربي في نيويورك على الخصوصيّة الفلسطينيّة، وحاذر التورط ما بين حماس والسلطة، تاركاً لمصر مهمة تدوير الزوايا.
وما كان متداولا في كواليس دبلوماسيّة عربيّة أن الهدنة الإنسانيّة هي العنوان لمهمة انتدبت القاهرة لها، بتــوافق أميركي ـ أوروبي ـ إسرائيلي ـ عربي ـ دولي، فرضتها صور المجازر الإسرائيليّة بحقّ الأبرياء من سكــان القطاع، وذكّتها حمـــلات الاستنكار التي عمّت المعمورة، والتي شكّلت ضغـــطا معنويّا على الكثير من عواصم دول القرار للمبادرة الى وقف المجزرة.
ومع الإقرار بحرارة الاتصالات المفتوحة بين نيويورك والقاهرة، فإن النتائج كانت لا تزال باردة. لقد نجحت العاصمة المصرية في جمع الأضداد، وفي إدارة حوار غير مباشر ما بين حماس والحكومة الإسرائيليّة، إلا أن العقبات كانت تتمحور حول شروط الهدنة ومواصفاتها، وأيضا حول ألا يكون الحوار مع حماس استبعاداً للسلطة أو تهميشاً لدورها، لذلك كانت عين الوفد الوزاري العربي على ما يجري وراء كوالـيس مجـــلس الأمن من نقاشات ومداولات حول مشروع القرار، وأخرى على ما يجــري في العاصمة المصريّة مع الحماسييّن والإسرائيلييّن للبناء عليه.
أما الجانب الآخر من المشهد فكان مذيلا بشروط وتعقيدات أميركيّة ـ إسرائيليّة، أولها أن يكون طابع الهدنة إنسانياً بحتاً، كأن يصار الى تمديد الوقت من ثلاث ساعات الى فترة زمنيّة يصار الى التفاهم على مدتها. ثانيا أن لا اعتراف بحماس، وأن أي بحث في أي تسوية يجب أن ينطلق من تعهد مضمون بوقف مسبق لصواريخ القسّام.
ومع رزمة الشروط هذه، تخوفت الجهات الدبلوماسيّة العربيّة من أن يكون الهدف من انطلاق صواريخ »الكاتيوشا« من جنوب لبنان، حرف أنظار الرأي العام عمّا تقترفه إسرائيل من جرائم في غزّة، عن طريق افتعال البلبلة حول مصير القرار ،١٧٠١ ولإعطاء المزيد من الحجج لتبرير التعنت الاسرائيلي ـ الاميركي في حلقات التشاور وراء كواليس واشنطن ونيويورك، لفرض دفتر شروط بشأن أي قرار يصدر عن مجلس الأمن، يلزم الفلسطنيين بشروط جديدة.
وفي رأي هذه المصادر أنه بقدر ما يشــكل الوضع الإنساني المتفـاقم حاجة ملحة لهدنة إنسانيّة، فإن مدّ التحــديات يتعاظم أمام الوفد الوزاري العربي الذي عليه السعي بسرعة الى صدور قرار لوقف المجزرة، ولا تؤدي تداعياته الى تجدد الصــراع بين حماس والسلطة حول الشرعيّة الفلسطينيّة ومســتقبلها، ولا يكون أيضا المدخل المؤدي الى تصفية القضية الفلسطينيّة على يد أبنائها، وبالتالي فرض التوطين مع غيره من الخيارات التي سيكون لها أبعد الأثر وأكثـره ضرراً، خصوصاً إذا ما تمكنت إسرائيل من تحقيق كامل الأهداف التي حددتها قبل المباشرة بالعدوان، وأبرزها فرض أجندة جــديدة بشــأن كيفية التعاطي مع الصراع العربي ـ الإســـرائيلي، وكيــفية وجوب إنهائه على المسارين الفلسطينيّ والســـوريّ، وصــولا الى المسار اللبناني ومعادلة »الخــط الأزرق«… لكـــن ماذا عن المــقاومة، فلهذا بحث آخر باعتبار أنــها آخر الباقي في بنك الأهداف، لا بــل الخـيارات العربيّة المتاحة؟!
السفير