حين اختفى الوزير
اسكندر حبش
هذه »الديموقراطية« التي لا يمكن لها، أحيانا، إلاّ أن تكون »قذرة«. وكلّ هذا الفكر الذي اعتقدنا أنه مختلف وأنه يقودنا إلى إنسانية مشتهاة، يبدو وكأنه يسقط في قذارته الراهنة. قذارة »سياسية«، تُخفي في طريقها، كلّ هذا الاختلاف الذي كان يحاوله الخطاب الثقافي. من هنا لا بدّ أن تسأل، هل هناك بعد فعلاً أيّ معنى ثقافي، وحتى ولو كان هذا الخطاب هو الثقافة الفرنسية برمتها؟
هذا ما أحسسته، صباح البارحة، وأنا أتابع من على شاشة التلفزيون، اجتماع مجلس الأمن في نيويورك لاتخاذ قرار بوقف الحرب على غزة. قيل عن مشروع انكليزي فرنسي أميركي عربي، وكلّ ما هناك من كلام لم يعرف كيف يوقف، حتى هذه اللحظة، كلّ هذه المجازر التي تُرتكب بحق شعب بأسره. والسخرية الكوميدية تكمن في أن بطل هذه »المهزلة« وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير.
من تابع النقل المباشر في الصباح الباكر، تساءل بدوره أين اختفى الوزير الفرنسي ولِمَ لم يظهر منذ اللحظات الأولى، حتى أن المراسل كان يتساءل بدوره أين اختفى كوشنير؟ وحين ظهر الوزير العتيد بعد فترة طويلة ـ إذ أن دولته كانت تترأس مجلس الأمن ـ لم يعرف أحد تعليل سبب غيابه.
قيل إن رئيسه كان يرغب في تأجيل الجلسة لمزيد من الاستشارات، لذلك تأخر. وقيل عن اختلاف الوقت بين نيويورك وباريس، إذ ينتظرون إيقاظ ساركوزي لإبلاغه بالأمر. وتحدثوا أيضاً عن العديد من الأسباب الأخرى. وبين كلّ ذلك، كان الجميع متيقظين ينتظرون قراراً اعتقدوا أنه سيسمح بوقف هذا الموت، إذ وصف بأنه قرار ملزم وفوري. (وإن كان لم يغير أي شيء بعد فالحرب لا تزال مستمرة).
تخيلوا فقط هذه اللحظة. الجميع ينتظرون ظهور كوشنير، وبخاصة من كان يعتقد أن الاجتماع سيوقف القصف، وهو لا يبالي أو لنقل إنه يطلب مهلة إضافية متناسياً كلّ هؤلاء الذين يسقطون، وكل هذه المساعدات التي لن تصل لإنقاذ المئات من الجرحى. والأنكى من ذلك، أن الوزير المعني هو طبيب في الأساس، وكان من مؤسسي منظمة »أطباء بلا حدود« التي أخذت على عاتقها مساعدة الجميع في أحلك الظروف.
بالتأكيد ليس مشهداً سوريالياً. هو مشهد لا تعرف كيف تصفه ولا تعرف كيف تجد معنى له. سوى أن هذا الدم الذي يراق كلّ لحظة، لا يعني أحداً. فالجميع مشغولون بأشياء تبدو »أهمّ بكثير«.