أموت خجلا يا غزة
مازن كم الماز
أموت خجلا من دمائكم يا أطفال غزة , اليوم و أنتم تقتلون كالخراف , كالجراد , بذات السهولة و بذات الفجور , و عندما يقف عالم بأكمله يتفرج على قاتلكم و يبتسم مباشرة في عينيه الفاجرتين و يغض النظر عن دمكم الذي يصبغ كل المشهد من الشجاعية إلى رفح , هذا هو زمن الفجور , هذا زمن النفاق عندما تستطيع كل الأنظمة و القوى التي تدوس علينا أن تجند من تشاء من أزلام و أقلام , من أنصاف أو أشباه بشر ينضحون قذارة لا توحي بها ملابسهم الأنيقة و لغتهم المهذبة ليقولوا أن موتكم , موتنا , جوعكم , جوعنا , لا معنى له , لا قيمة له أمام قدسية آلهتهم , أربابهم , ليبرروا و يفتوا و ينظروا لموت طفولتكم في هذا الزمن الفاجر في هذا العالم الفاجر , أنا ألعن كل هؤلاء الأرباب , ربا ربا , كل أرباب هذا العالم الفاجر , كل من يحول دمنا إلى سلعة , إلى سيارات فارهة و قصور و عسس و سجون و جوقات من المادحين الفاجرين , أعرف يا غزة أن الإنسان هو الضحية الأولى لكل ما هو كبير و هام في عالمهم الفاجر , أن الفقراء هم الضحية الأولى , بل و الوحيدة , للحروب , كما أنهم الضحية الأولى , بل و الوحيدة , لسلامهم أو ما يسمونه بالسلام , أعرف أننا أول من يموت , أعرف أنه من دمنا و جوعنا و عرينا و موتنا تستمد الآلهة , كل آلهة هذا العالم الفاجر , قوتها و أهميتها و قداستها , هكذا يثبت اليوم من جديد أن قصورهم أقدس من دمائكم , أن هذه الحفنة ممن يستبيحون كل شيء في عالم الصغار في عالم الفقراء هم آلهة لا جدال في ذلك , و أننا مجرد عبيد , موتى , جوعى , “شهداء” , محاصرون , ملعونون و كفى , حتى موتنا يريدون أن يمر دون أن يشاغب على من يقسم كل من يكتب اليوم أنه مخول , من السماء و من كل شرائع الأرض و مجلس الأمن و إعلانات حقوق الآلهة التي نحن عبيدها , بقتلنا أو ببيع دمنا لمن يشاء , أن ما شاؤوا كان و ما شئنا لم يكن , أنه لا إنسان إلا ما سموه إنسانا , أنه لا دم إلا ما سموه دما , أننا إذا كنا بشر فهذا لأنهم شاؤوا ذلك و هذا فضل منهم و منة , و إذا شاؤوا أننا لا نساوي شيئا فهذا فضل منهم أيضا و منة , هم يملكون و يأمرون و لا يملك أحد إلا ما تفضلوا به عليه حتى حياته و حتى أطفاله أو لقمة خبزه , اليوم يا غزة يثبتون من جديد أنهم آلهة على جسدك , يهللون جميعهم للفاشستي و هو يغرس سكينه في قلوب أطفالك , يهللون للعهر الذي يسمونه عالما قديما و جديدا و بعد حداثي , كان و ما يزال يتغذى على دماء الأطفال و جوع الفقراء , يا غزة , اجتمعت كل آلهة الأرض على ذبحك , على أولوية قصورهم في مقابل دماء أطفالك , على أولوية أمجادهم على نصف و مليون فقير يؤكد الجميع أنهم , مثلي , مثلنا , عبيد و ليسوا من جنس الآلهة , النظام المصري , بوش , أوباما , ساركوزي , النظام السوري , السعودي , السلطة الفلسطينية , النظام الإيراني , القطري , الكويتي , بوتين , رجال كل الأديان , العلمانيون من كل أديان عبادة السلطة و التضحية بالإنسان على مذبح السلطة – الإله , شيوخ و أمراء و ملوك من كل الأجناس و الأطوال و الأشكال , أنا اليوم يا غزة لست مؤمنا و لا علمانيا , أنا لست منهم يا غزة , و لا أستطيع أن أكون , فأنا مثلك فقير منبوذ ملعون بلا اسم و لا حق و لا هوية في عالمهم الفاجر , أنا اليوم لا أؤمن بأي شيء , أنا أؤمن بك فقط , أؤمن بأطفالك فقط , أنا الذي يقف على طوابير الخبز , تماما مثل من تبقى حيا فيك , أنا من لا يملك لأطفاله إلا كسرة الخبز التي بالكاد تبقينا على قيد الحياة , تماما كمن بقي من أطفالك , أنا من يغسل سياراتهم الفارهة و قصورهم و يصفق لهم بالروح و بالدم , أنا من يدوسون عليه , كل أرباب الأرض , كما داسوا و يدوسون عليك , لا أؤمن بسواك , يا رائحة أمي و أنين أطفالي و طعم الخبز في فم الجوعى , كفرت بكل هذا العالم , بكل الأرباب , كفرت بكل هذا العهر و اخترت اليوم أن أبكيك بخجل , أن أبصق على شرفهم المزعوم و على كل خطاباتهم و كل شعاراتهم و فلسفاتهم و كل مبادئهم و أديانهم و آلهتهم , أنا اليوم المنفي في وطنه , أنا الميت الحي في عالم ينوخ بثقله على أجسادنا و جثث أطفالك , أنا اليوم غزاوي و كفى……………
خاص – صفحات سورية –