نيروز منا وفينا، ولن يموت بموت بعضنا
فلورنس غزلان
لماذا يموت المواطن الكردي السوري في يوم نيروز؟
يصادف أنه مختلف السحنة ربما، أو أنه مختلف اللغة لا أكثر، أو أنه يحمل اسماً غير معرب…أو أن له عيداً غير مصبوغ بلون العروبة والقومية ، وربما والله أعلم …ولد من منبت وجنس وعرق …لا يراد له أن يحيا
بيننا…وبهذا يكون قد خرج عن مسطرة السلطان….نعم مسطرة السلطان يا سادة…لأن في بلادنا سلطة تحمل مسطرة لشعبها…وتسطرهم حسب مزاجها ونظامها وقانونها الخاص…فمن يخرج عن إطارها بلونه أو عرقه أو جنسه..أو فكره..أو اسمه أو مذهبه…الخ…فهذا يعني بالضبط يعني: أنه مارق…كافر…خارج عن السرب الوطني وبالتالي خائن …ويجوز رجمه بالرصاص الحي…هذا بالضبط ماتم في يوم الثاني عشر من آذار لعام 2006…وقلنا بعدها وحينها…أن النظام ربما …وهذه الربما لا تأتي ولا يعرفها النظام….ربما يتعظ ..ربما يعي انه يحصد خراب الوطن وخرابه…ربما يقول أن الأكراد جزء من الوطن…وأن هنانو وصلاح الدين ويوسف العظمة ..كانوا التاريخ المشرق لسورية …فكيف ينتقم اليوم في نيروز عام 2008 ويقتل أحفادهم؟…يقتلهم لمجرد أنهم يحبون الفرح الربيعي…يقتلهم لأن لهم عيدا يعشق الاخضرار والزهور…يقتلهم لمجرد أنهم ينشدون بلغة غير لغة العروبة…مع أنهم ينتمون لإسلام طالما اعتبر النظام نفسه حاضن الإسلام وحامي شرفه الرفيع!!…
ماذا تبقى للمواطن السوري؟ ما الذي ينتظره أكثر من الموت؟…يموت كل يوم فقراً وجوعاً..يموت كل يوم لاهثا وباحثا عن ربطة خبز صارت تساوي ما يقارب الخمسين ليرة سورية ـــ رقما قياسيا عالميا يستحق أن يدون في موسوعة غينيس العالمية ـــ يعتقل لأنه يفكر على غير منهج السلطة وحزبها…يعتقل ويزج به في غياهب السجون متحملا صنوف العذاب والتنكيل، لمجرد أنه يتنسم الحرية ويحلم ويسعى لها كسائر البشر!!، يحرم من وظيفته مصدر رزقه…لأنه يكره التملق والزيف والتلاعب والفساد…لمجرد أنه نزيه ونقي ويريد لوطنه ولقضائه أن يحمل النزاهة ويتصف بها ..لمجرد أنه يريد لوطنه أن يكون بلد الحق والعدل والقانون!!…يعتقل لو اجتمع مع خمسة أو ثلاثة من أصدقائه يناقشون ارتفاع الأسعار وكيفية تدبر أمرهم وأمور عيالهم…يعتقل لأنه ينتقد الباطل ويبحث عن الحق والخير والجمال لوطن كان مصدر المحبة والجمال …وصار على أيديهم مصدر الظلام والموت الزؤام… .وهاهو الكردي يموت…يموت…لأن النظام ورجال أمنه…لا يحبون رؤية الأكراد..لا يريدون لهم أن يكونوا أكراداً…يريدون تعريبهم بالقوة ومن خلال التجريد وإلغاء الهوية!..هل يمكن أن تلغي سلطة هوية شعب؟..كيف تسمحون لأنفسكم أن تدافعوا عن هوية الشعب الفلسطيني وتنكروه على الأكراد؟…
لم يقتصر الأمر على سلوكية النظام ومخابراته…بل وصل الأمر لدور الإعلام الأسوأ والأكثر قتلاً بطريقته الممالئة والتافهة والتدليسية المغرقة في النفاق والجبن والزيف
فقد كتبت صحيفة الثورة في يوم النيروز، وفي( استراحتهم الأسبوعية) ، تحت عنوان:ــ
شعوب الشرق تبدأ عامها بالربيع .. احتفالات عند الفرس والسريان والأقباط .. وعيد رسمي عند العباسيين والعثمانيين
وشرح وأسهب عن العيد لدى كل شعوب المنطقة وكيف سمي لدى هذه الشعوب وخص بالذات الفرس منهم وأنه يعني أ( اليوم الجديد)، لكنه أبداً لم يأتِ على ذكر 9% من الشعب السوري يحتفلون بهذا العيد…لم يقل أن شعبا كرديا يعيش بيننا ويقاسمنا الوطن والهم والتاريخ ..يحتفل اليوم بهذا العيد!…لأنه لا يعتبرهم شعباً!!هذا هو الأمر بنظره…ولو فعل لكلفه هذا ربما مركزه …أو ربما لن يكلفه شيئاً…لكنه أجبن من فأر…ويعمل مخبراً أكثر من مخبر…فكما سبق وقيل في أكثر من مكان ومقال…أن الإعلام السوري ينافس الأمن في تقصيه ونفاقه ومحاسبته المواطن…أنه يعمل مخبراً لدى النظام ويسجل نفسه في خدمة أولياء نعمته ممن يملون عليه كيف يكتب ومتى وكيف يمسح ويمحي… وبالتالي يفكر…
اعلموا إذن أن في سورية أبناء أكثر إدراكا، ولم تغتالهم فكريا أنظمة القهر والنفاق اعلموا أن في سورية اليوم …أخوة لكم يحسون معكم ويأسفون لضحاياكم …لأنهم ضحايانا…يفرحون في نيروزكم وينشدون معكم…عاش نيروز وسيعيش رغم أنف الطغاة…
ويأتيكم …يأتيكم ليقول معكم وبينكم:
نأتيكم في العيد فرادى وجماعات، كل من منفاه البعيد أومن مخبئه القريب…لنصيد حبا ممنوعاً…ونقتنص فرحاً محروماً…لنطلق عصافير الحرية الملونة…ونحلم بباقة ياسمين في ربيع أخضر يزهو بنا …بكم…بالوطن.
نأتيكم…بعد أن ضمدنا جراح الأمس …وحاولنا أن نغفر اقتراف الخطايا…ونمهد الدرب للفرح…نأتيكم وندخل تحت عباءآتكم…وننضوي تحت راياتكم …ننسل بين جموعكم …نمطركم بالشوق واللهفة…نغرق البيوت بدموع الحنين ومنابت الألفة…نأتيكم ونأمل أن يكون لنا ولفرحكم …فسحة…فتتلقفنا أذرعة الحديد ورصاصات الموت …تصرع من ينشد الفرح…تصرع نيروزاً…وتقتل ربيعا غضاً…تسفك دماءً شابة …وتغمد حرابها في أضلع يانعة طرية…جاءتنا…وجاءتكم…أشباح الموت ملفعة ..بثياب عسكر ..لا تعرف القتال على الحدود، ولا قتال الجبال والوهاد في أرض محتلة…لكنها تتقن التسديد إلى صدوركم …تتقن موت الغدر …وتمتلك سلاح الجبن …لأنها لا تحب فرحكم…تحب …أن تفرحوا لأعراسها …تحب أن تفرحوا لأعراس تصنع بيارقها من موتكم …وعلى رفاتكم..
في يوم الربيع الأول …في نيسان الأخضر…صار للزهر وللشجر لونه الأحمر…صار للشمس حزنها الأغبر…وللوطن موته الأصفر..
فتحنا باب الأمل في القامشلي…ونسينا يوم الأسى في الماضي…واعتنقنا مذهب اليوم أفضل من البارحة…لكن الغدر …لا يمهل ، يرفض الأغاني ، يرفض النشيد البشري يعشق آلهة االنحيب …ويعيش في عصر االعويل…يكره فتح الأبواب والنوافذ يعشق الحصار ويمنع الهواء والماء….يحاصر الفضاء ويخنق الصوت…لكننا مع كل هذا سنظل بالحب نجهر والفرح ننتظر…
هل يمكن للحجاج أن يتوقف عن حصد الأرواح …أو حبسها؟ …مالذي يوقف مجزرته عن استمرارها؟ ..
قالوا لكل عصر حجاجه…لكن لوطني أكثر من حجاج….لا يتعظ لوطني مجازر ومقابر لا تقفل فمها الفاغر ولا ترتوي من دماء أبنائها…
قالوا لعن الله أمة تأكل أولادها…لكن في بلدي مجموعة اعتادت أن تكون هانيبعل في عشها وأرانب أمام عدوها …
في بلدي سلطات اتخذت من الوطن سجنا ومن نيروز مسلخاً….سحقاً ..سحقاً للموت ومليكه ..حين ينحني صاغراً مصاحباً سيف السلطة وسوط جلاديها…سحقا…لك يانهر الأحزان ..آن لك أن تتوقف …آن لك أن تتبرأ من جلدك وتدفنه …ليعيش الإخاء والحب ويموت الحقد إلى الأبد.
.. باريس …في نيروز الحب والإخاء لعام 2008
خاص – صفحات سورية –