رسالة مفتوحة: ماذا ترتكبون في “الضفة الغربية” يا دولة الرئيس فياض؟
أسعد عبد الرحمن
لا مجال للاعتقاد أن عدوان إسرائيل ضد قطاع غزة جاء فقط “دفاعا” عن أمنها، ومن أجل إضعاف أو إسقاط حركة “حماس”، ودعم المعتدلين الفلسطينيين والعرب في التسوية/ “السلام”. فأهداف العدوان، الآنية والبعيدة، تجعله ضد عموم الشعب الفلسطيني، سواء في الضفة الغربية أو القطاع وفي العالم أيضا، لسد الطريق أمام قيام دولة فلسطينية ذات سيادة بعدما أصبح العالم كله تقريبا ينادي بذلك.
وبالفعل، “أحسنت” الدولة الصهيونية في اختيار توقيت عدوانها. فحركة “حماس” وأهل القطاع الصامدون متعبون بعد الحصار الخانق، وعلاقات الحركة “متوترة” مع مصر والسعودية، والخلافات العربية – العربية تشل الإرادة القومية، والولايات المتحدة تمر بفترة “فراغ” في السلطة يملأه رئيس أكثر “أسرلة” من عتاة الإسرائيليين، والانقسام الفلسطيني على أشده في وقت اصطف فيه الصهاينة في مختلف بقاع العالم خلف إسرائيل وحربها وفتحوا لها صناديق الدعم المتنوع.
وفي هذا السياق، هل من المعقول – يا دولة الرئيس الدكتور سلام فياض – أن تخرج الجماهير العربية والمسلمة وجماهير الغرب بتظاهرات حاشدة منددة بالعدوان، بينما تقف الضفة – عمليا – دون حراك، تختفي وراء تظاهرات متواضعة حزينة نسمع فيها أصواتا وممارسات نشاز؟!! فلأول مرة في تاريخ القضية الفلسطينية، يتعرض جزء من شعب فلسطين، المرابط على الثغور في القطاع، لهجوم همجي فيما يكون الجزء الآخر، المرابط في الضفة، عرضة لضغوط وممارسات قمعية من وزير داخليته “الفلسطيني”، الأمر الذي أجبر أهل الضفة – بفضل حكومة
دولتكم – على الرضوخ لإملاءات المندوب السامي الأميركي الجنرال دايتون.
ومع انطلاق أكبر تظاهرة فلسطينية في الأرض المحتلة عام 48، نجد أن “أكبر” تظاهرة في نابلس (كبرى مدن الضفة التي “تحكمها” سلطة فلسطينية) قدمت أصغر تظاهرات العالم بفضل سياسات حكومتكم الرشيدة!!!! ففيما خرجت التظاهرة الأولى تتحدى الصهاينة في عقر “دولتهم”، أحاطت بالثانية أجهزة الأمن “الفلسطينية” التي لجأت للضرب والاعتقال!! وهذه الحقيقة المفجعة أعادتنا –مكلومين والله- إلى تقرير الصحافي الاسرائيلي ناحوم برنيع في صحيفة “يديعوت احرونوت” يوم 19/9/2008 حين “كشف” (نقول: “ادعى”، طبعا بانتظار جواب من دولة الرئيس فياض) تفاصيل خطيرة جدا عن لقاء، حضره هو، وشمل قادة أجهزة “السلطة” وجنرالات إسرائيليين، فكتب قائلا: “فوجئت من الأمور التي قالها الفلسطينيون كما فوجئت من اللهجة التي قيلت فيها… أبو الفتح قائد جهاز الأمن العام التابع لحكومة فياض، وهو الجهاز الذي يمثل القوة العسكرية الفلسطينية يقول للاسرائيليين: ليس هناك خصام بيننا! لدينا عدو مشترك.. انتم تدركون أننا افضل من
السابق وأنتم تمدحون ذلك. بفضل عملياتنا أصبحتم اقل حاجة لقواتكم”!!!
وإزاء هذا الاتهام الصريح (والعهدة على الراوي)، لماذا لم تقم يا دولة الرئيس أو وزير داخليتك “الفريق الركن” عبد الرزاق اليحيى بنفي هذه التهمة عن مناضل تاريخي (بحدود ما نعرف) مثل أبو الفتح؟!! وهنا – كما يزعم التقرير – تدخّل ماجد فراج (رئيس الاستخبارات العسكرية التابع لحكومة فياض) قائلا: “نحن في معركة صعبة جداً. قررنا خوض الصراع حتى النهاية. قررنا وضع كل مشاكلنا على الطاولة. كل شيء علني وظاهر: لا مزيد من الالاعيب. حماس هي العدو. قررنا شن حرب عليها وانا أقول لكم لن يكون اي حوار معها، فمن يريد ان يقتلك عليك ان تبكر بقتله. انتم توصلتم الى هدنة معهم اما نحن فلا”!!! ونكرر: لماذا لم تبرئوا كذلك العميد فراج؟!!
وعلى صعيد ثالث، أعادتنا فجيعة كبح حكومتكم لجماح جماهير “الضفة” إلى حديث دايتون مع صحيفة “جيروزاليم بوست” الاسرائيلية بتاريخ 11/12/2008 حين عبر – في ما زعمته الصحيفة – عن “اندهاشه” (أي دايتون) من “جرأة” قول الوزير اليحيى أمام بعض متدربي الأجهزة الأمنية”: “أنتم هنا لا تتعلمون كيف تحاربون الاسرائيليين، وأنتم هنا ليس من أجل محاربة الاحتلال، وإنما لمحاربة قوى الشغب والجريمة والفوضى في فلسطين”؟!!! فما الحقيقة في كل هذا يا دولة الرئيس فياض؟!! وهل حققت فيما كتب عن وزير داخليتك الذي نتمنى له (وقد عبر حاجز الثمانينات) مثلما نتمنى لأنفسنا وللجميع… حسن الخاتمة؟!! وطبعا، نحن لا نلوم “الموظفين” العسكريين في كل هذا وإنما نحمل المسؤولية لقيادتهم السياسية أي: وزير داخليتكم وطبعا دولتكم يا دولة الرئيس.
نحن نعلم أن الضفة ليست أقل وطنية من القطاع، مثلما هي ليست أقل تفاعلا مع المذبحة الجارية ضد أهلنا هناك! والمصيبة هي في أولئك الذين يسلطون الأجهزة الأمنية على المتظاهرين في رام الله وبيرزيت ونابلس والخليل… الخ!! ألم يتعلموا أن الدولة الصهيونية، المعتدية بطبيعتها، ليست بحاجة إلى أسباب لكي تحرق القطاع أو غيره؟! وإن كان اليوم دور القطاع (الثور الأسود) فغدا سيأتي دور الضفة (الثور الأبيض). ألا يدركون أن الحرب ضد القطاع تنهي كل الرهانات على “المفاوضات” و”المبادرات”، خاصة حين نصبح –جميعا- في موقع أكثر ضعفا بعد “انتصار” إسرائيل في المواجهة الراهنة؟!!! وحقا، لا يهم الدولة الصهيونية من يحكم غزة، وهي ستحاول، إن نجحت في عدوانها الحالي، رمي القطاع في حضن مصر، والضفة في حضن الأردن بعد أن تكون ضمت كل ما تحتاجه من أرض (وخاصة القدس) ومن مصادر مياه وثروات ومواقع استراتيجية ودينية. ففي أي عالم أنتم، وكيف لم تسمعوا (أو تعوا) تحذير جلالة الملك عبدالله الثاني “من المؤامرة على مستقبل القضية الفلسطينية”، و”مما بعد غزة!!
وفي سياق مختلف، نسأل: أين قادة وكوادر الفصائل (فتح، الشعبية، الديموقراطية، جبهة النضال، حزب الشعب وغيرها) المنزرعون نضاليا في الضفة؟ وكيف ينفذون عمليات بطولية ضد الغزاة في القطاع ثم يسكتون عما هو ممارس في الضفة من كبح بل وقمع للمتظاهرين؟! وهل هم –حقا– امتداد لتنظيمهم في القطاع (وبالعكس) أم لا؟! وهل هم اكتفوا – وفق ما وصلنا عنهم من صيحات غزاوية تدمي قلوبنا – بالظهور على شاشات الفضائيات؟!! أوليس التوحد في مواجهة العدوان هو الركيزة الأساسية لإرساء ممارسة فورية لإنهاء الانقسام الداخلي؟! أين هو التنسيق الفصائلي للقوى الوطنية والإسلامية في مختلف المحافظات في الضفة وصولا الى تفعيل “الحالة الجماهيرية”؟! ثم أين العصيان المدني والمقاومة السلمية/ الحضارية (ولا نطالب – لا سمح الله – بالكفاح المسلح) في الضفة؟! أم أن الأخيرة لم تعد جزءاً من حركة فلسطين الى الحرية والاستقلال؟! وختاما، حسنا فعل ممثلو كتل برلمانية عدة (فتح، والجبهتين الشعبية والديمقراطية، وقائمة البديل، وقائمة فلسطين المستقلة) حين أصدروا بيانا، تلته النائب الدكتورة حنان عشراوي، استنكروا فيه واستهجنوا بشدة تنامي حالة قمع الحريات في ظل حكومة فياض ووزير داخليته اليحيى. حسنا فعلوا، لكن هل يكتفون بذلك؟! هل يكتفون بإصدار بيان شاجب فحسب؟!!
(عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية)