وصمة الإعلام الغربي
ساطع نور الدين
لعلها الحرب الاولى في الشرق الاوسط التي لا يغطيها الاعلام الاميركي خاصة والغربي عموما، بشكل مباشر، وتغيب عنها كاميراته ومراسلوه من ارض المعركة الدائرة منذ اكثر من اسبوعين في داخل قطاع غزة، وتقتصر تغطيته على الوقوف مع الاسرائيليين، عسكريين ومدنيين، عند الحدود الشمالية لتلك البقعة الفلسطينية التي تشهد واحدة من اكبر المذابح في تاريخها.
وهذا ليس مجرد نقص في مهنية الاعلام الاميركي والغربي الذي اخترع فكرة المراسل الحربي والمحقق الميداني، ورافق الجنود وسبقهم احيانا الى مواقع تقدمهم وانتشارهم على مختلف الجبهات، وفي جميع الحروب، وآخرها الحرب الاسرائيلية على لبنان في العام ،٢٠٠٦ عندما احتشد الصحافيون الاجانب في بيروت، وكانوا يجولون في مختلف الانحاء اللبنانية وصولا الى المنطقة الحدودية، ويتنافسون على البث الحي بالصوت والصورة من داخل المناطق التي كان الاسرائيليون يستهدفونها .. ويلهثون وراء مسؤولي الحكومة اللبنانية او حزب الله، من اجل مقابلة او معلومة او حتى شائعة.
وقد ساهمت هذه الحيوية الاعلامية الغربية الى حد ما في بلورة الموقف الاميركي والاوروبي الذي اعتبر ان الغارات الاسرائيلية الكثيفة غير متوازنة وغير متكافئة مع حجم الردود الصادرة من جانب حزب الله، وهو ما نفع ايضا في الضغط على اسرائيل لحصر حملتها التدميرية وضبطها في نطاق محدد.. فضلا عن تسليط الضوء طبعا على حجم الخسائر البشرية والمادية الهائلة التي مني بها لبنان.
طبعا، لم يكن هذا الاعلام محايدا او موضوعيا، ولم يكن يخفي تعاطفه مع اسرائيل وميله الى تحميل حزب الله مسؤولية اندلاع الحرب. لكنه عرض وجهات نظر لبنانية وعربية ودولية كانت مؤثرة جدا في اختراق الوعي الاسرائيلي، وفي دفع المؤسسة الاسرائيلية الى استعادة رشدها، والتخلي عن اهدافها المجنونة في ذلك الوقت، وفي حماية الدولة اللبنانية من الانهيار والسقوط تحت وطأة الضربات الاسرائيلية، او الحملات الداخلية التي تعرضت لها.
في غزة اليوم، نقيض غريب لما شهده لبنان في العام ٢٠٠٦ . لم يخطر في بال اي مؤسسة اعلامية غربية كبرى، ان توفد مراسلا او حتى مصورا الى داخل قطاع غزة. وحتى محطة »سي ان ان« التي صنعت مجدها عندما التقطت كاميراتها الغارات الاميركية الاولى على العاصمة العراقية في شتاء العام ١٩٩١ ، وعندما تحولت تلك الكاميرات نفسها الى سجل تاريخي لجميع الحروب التي جرت في العقدين الماضيين، لم تفكر في ان تحجز لها مكانا في احد ابراج مدينة غزة، لتبث على الاقل صورا تشبه الى حد بعيد تلك التي شاهدها العالم مثلا لحظة احراق بغداد في ٢٠ آذار العام ٢٠٠٣ ..
كان يمكن للاعلام الغربي ان يعبر الحدود المصرية الى قطاع غزة بسهولة، وان يمحو الوصمة التي لطخته عندما تقاسم مراسلوه السرير مع قوات غزو العراق.. من دون ان يتخلى عن وجهة نظره، او عن عطفه على اسرائيل وكرهه لحركة حماس، ولكل حركة اسلامية مماثلة.. ويعترف فقط بان شهداء غزة وجرحاها بشر، وبان سقوطهم حدث انساني او اخلاقي.
السفير