قضية فلسطين

الحرب على غزة .. خيار الدول الثلاث

عمر كوش
السؤال الذي يطرح، اليوم، بقوة، هو: ماذا بعد الحرب على غزة؟ ثم ما الأهداف الحقيقية التي تسعى إليها «إسرائيل» من هذا العدوان الوحشي؟ وما المؤامرات التي تحاك ضد الشعب الفلسطيني؟
تدخل هذه الأسئلة في سياق معرفة إرهاصات وتداعيات مرحلة «ما بعد غزة»، ورسم ملامحها.
تشير المعطيات إلى وجود مؤامرة على الشعب الفلسطيني ومستقبله، ذلك أن العدوان الإسرائيلي الذي يسكب رصاصه القاتل على سكان غزة، ويتخذ من القطاع المحاصر والمقاوم، مسرحاً لمجازره البشعة، إنما تتمحور أهدافه البعيدة حول الإجهاز على أية إمكانية لقيام الدولة الفلسطينية الموعودة وقضية القدس واللاجئين وحقهم في العودة إلى وطنهم ومجمل قضايا الوضع النهائي.
وقد أعلن المسؤولون الإسرائيليون أهدافا غير متطابقة لحربهم العدوانية على غزة، فتارة يعلن أحدهم أن الهدف من هذه الحرب هو تعديل المعادلة القائمة في قطاع غزة أو تغيير قواعد اللعبة، بما يعني إسكات حركة «حماس» أو على الأقل إضعافها والقضاء على قدراتها وبنيتها التحتية، وتارة أخرى يقول مسؤول آخر إن الهدف هو تدمير المنصات والقواعد التي تطلق منها الصواريخ وتهدد أمن المواطنين «الإسرائيليين» ووقف تهريب الأسلحة بواسطة الأنفاق ما بين القطاع ومصر.
اهداف معلنة واخرى مبطنة
ثم سمعنا كلاماً مغايراً من مسؤول أو ناطق إعلامي باسم الحكومة الإسرائيلية، عندما تحدث عن أن عملية «الرصاص المسكوب» تشكل رداً على رفض «حماس» تجديد اتفاق التهدئة مع إسرائيل.
ويشير عدم تطابق الأهداف المعلنة من الحرب العدوانية على غزة إلى وجود أهداف مبطنة وخفيّة، تحاول القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية إخفاءها والتمويه عليها، وتتمحور حول إيجاد واقع سياسي جديد، يمكن أن يبرر إمكانية إلقاء تبعة قطاع غزة وسكانها على مصر، الأمر الذي يفضي إلى خلق الظروف المناسبة لتعميق الفصل ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وبالتالي القضاء نهائياً على احتمالات أية وحدة فلسطينية، وتحويل القضية الفلسطينية من قضية تحرر وطني من الاحتلال إلى مجرد قضية إنسانية عامة.
وواضح أن أهداف إسرائيل من هذا العدوان الوحشي تتعدى قطاع غزة، لتطاول مصر والأردن، بما يحيلها إلى مؤامرة إسرائيلية وأميركية تفضي إلى ضم قطاع غزة إلى مصر وضم ما تبقى من الضفة الغربية إلى الأردن، أي أن هذه المؤامرة تستهدف ضرب مستقبل الدولة الفلسطينية الموعودة، والعودة إلى الوضع السياسي والإداري الذي كان قائماً قبل 1967، بعد أن اقتطعت مستوطنات إسرائيل ما تريد من أراضي الضفة.
أفكار أميركية – اسرائيلية
ويلتقي المسعى الإسرائيلي مع أفكار أميركية وإسرائيلية، جديدة وقديمة في نفس الوقت، يروجّ لها من تبقى من رموز عصابة المحافظين الجدد واليمين المتطرف عبر الصحافة في الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، وتتحدث عن «خيار الدول الثلاث»، الذي يتمحور في ثلاث دول شرق المتوسط، هي إسرائيل ومصر والأردن، حيث تتسيد إسرائيل بمستوطناتها المجال الكلي فيه، ويضم بموجبه قطاع غزة إلى مصر، فيما يضم الجزء المتبقي الضفة الغربية خارج المستوطنات إلى السيادة الأردنية وفق صيغة معينة، والغاية من هذا الخيار حسبما يقول مروّجوه، هي إرساء السلام وتوفير الأمن والاستقرار للمنطقة، ولو كان ذلك على حساب الدم الفلسطيني والحقوق الفلسطينية.
وقد طرح جورج بولتون، مندوب الولايات المتحدة الأميركية السابق في الأمم المتحدة، هذا الهدف الإسرائيلي بوضوح شديد، في مقال نشر له في صحيفة «وشنطن بوست»، قبل يوم واحد من بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وقبل العدوان، كانت الأوساط الإسرائيلية تعيد الحديث حول مشروع «بنيامين نتنياهو»، الداعي إلى قيام فيدرالية أمنية أردنية – فلسطينية، وكونفيدرالية سياسية بين الأردن وما سيتبقى من الضفة الغربية بعد اقتطاع القدس ومناطق ما خلف الجدار وغور الأردن.
غير أن هدف القضاء على أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية هو هدف إستراتيجي إسرائيلي منذ أن بدأ الحديث عن الدولة الفلسطينية الموعودة، وتمحورت السياسة الإسرائيلية حول هذا الهدف منذ مباحثات واتفاقات أوسلو التي أفضت إلى قيام السلطة الفلسطينية. ومن الضروري التنبه إلى ما يخطط له العدو الإسرائيلي والعمل على إفشال وفضح مخططاته ومؤامراته.

كاتب من سورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى